للزواج أهداف عديدة، منها إيجاد شريك حياة وتكوين أسرة والحصول على الحب والأمان والإستقرار والجنس والإنجاب والأبوة.
وعندما يقرر شريكان الزواج وتكوين أسرة، يتوجب عليهما إتخاذ بعض التحضيرات والإستعدادات لذلك. والتخطيط أو الإستعداد للأبوة يجب أن يبدأ قبل الحمل ويستمر خلال فترة الحمل. بعد هذه الإستعدادات يجب إكتساب بعض المعلومات الطبية عما يحدث خلال فترة الحمل وكيف يتطور الطفل.. كل هذا لا يمنح السعادة، فحسب، للأبوين، بل يعني أنه على الشريكين أيضاً فهم وإستيعاب العلاقة المستقبلية بينهما وبين الضيف الجديد المرتقب.
ومعروف أن الحمل ليس مرضاً، بل هو عملية فيزيولوجية طبيعية، وعليه يجب أن يكون هدف الزوجين الحفاظ على هذا الحمل، وذلك بالحفاظ على صحة الحامل وجنينها، وإن أمكن تأمين ولادة طبيعية. والهدف من متابعة ومراقبة الحمل من قبل الممرضة والطبيب هو تقرير، أو تحديد، إن كان الحمل يتقدم على أكمل وجه، ولا حاجة لأي تدخل طبي. وفي حال إكتشاف، أو الشك بوجود شيء يدعو للقلق، فإنه من الممكن تصحيح ذلك مبكراً، وبذلك نحافظ على صحة الأم وجنينها.
وبالفعل فإن صحة الجنين مرهونة بصحة الأم. فالحالة الجسدية والنفسية للأم تنعكس، إما سلباً أو إيجاباً على جنينها.
وقد أشارت دراسات عديدة الى أن وزن الوليد لدى الأم المدخنة أقل بحوالي 185 غراماً منه لدى أم غير مدخنة. وقد يؤدي التدخين الى موت الجنين في رحم أمه، أو ولادة طفل متخلف عقلياً، أو قد يولد الطفل وهو مصاب بتشوهات خلقية، وتدخين الأب بحضور زوجته الحامل له نفس التأثيرات الضارة على الجنين، كما لو كانت الأم هي المدخنة. وتعرف هذه الظاهرة بإسم "التدخين السلبي". لذلك على الزوج أن يدرك ذلك، ويمتنع عن التدخين بحضور زوجته الحامل، وأن يستمر بالإمتناع عن التدخين أيضاً بحضور الطفل بعد الولادة.
ويشكل إدمان المرأة الحامل على المخدرات والسموم خطراً على صحة الجنين أيضاً.. فنلاحظ زيادة حركة الجنين لدى إنخفاض نسبة المخدر في جسم الحامل به. أما بالنسبة للوليد فنلاحظ معاناته من الهياج وزيادة توتر العضلات وسرعة التنفس والبكاء المستمر والإمتناع عن الرضاعة، وتشنجات عضلية وعدم إنتظام النوم.
كذلك فقد أشارت الدراسات الى أن الأطفال المولودين من أمهات معتادات على تناول الخمور يعانون من صعوبات في التعلم ومشكلات عقلية. وقد يصاب الجنين بمتلازمة تدعى "متلازمة الجنين الكحولي". ومن أهم مميزاتها نقص وتخلف في نمو الجنين، وتشوه وجه وجمجمة الوليد، وظهور عيوب خلقية في القلب، وتخلف عقلي وعدم حرية حركة مفاصل الوليد.
كذلك لا يجوز للحامل تناول الأدوية والعقاقير دون إستشارة الطبيب. وعلى الحامل دائماً تذكير الطبيب العام، أو غيره من الأطباء، بأنها حامل، وكذلك في حال معاناتها من مرض معين يتطلب العلاج بالأدوية أو وسائل علاجية أخرى. ويجب عدم تعرض المرأة الحامل للأشعة، لما لذلك من تأثير ضار وخطير على الجنين.
كذلك فإن التغذية السليمة للأم الحامل تؤدي الى إرتفاع درجة ذكاء الطفل المرتقب وكذلك في قدرته على الإنسجام والتأقلم في المجتمع، وتعزيز مناعته ضد أمراض القلب والأوعية الدموية.
فيتامينات فترة الحمل
ويجب أن لا ننسى أن تناول الفيتامينات على شكل أقراص أثناء فترة الحمل، والتي تسمى "أقراص فيتامينات ما قبل الولادة" Prenatal Vitamins من المتطلبات الرئيسية (إضافة الى التغذية السليمة وخاصة تناول الحليب ومشتقاته). ومعظم هذه الأقراص تحتوي على حامض الفوليك والكالسيوم والحديد. فحامض الفوليك يمنع تكون التشوهات الخلقية في الدماغ والنخاع (الحبل) الشوكي لدى الجنين. أما الكالسيوم فيعزز ويدعم تقوية العظام والأسنان للأم وجنينها، إضافة الى دعم الجهاز الدوري (القلب والأوعية الدموية) والعضلات والجهات العصبي. وتناول أقراص الكالسيوم يعتبر أيضاً عاملاً مساعداً في حال عدم رغبة أو اشمئزاز الحامل من تناول الحليب الغني بالكالسيوم. أما بالنسبة للحديد فإنه يساعد على تقوية الدم والعضلات أيضاً للأم وجنينها، وبالتالي يقي من اصابة الحامل بفقر الدم "الأنيميا" Anemia.
ومن المهم جداً أيضاً تناول فيتامين "D"، وخاصة في الثلث الأخير من فترة الحمل، التي تزداد فيها الحاجة للكالسيوم، ويجب التعرض للشمس من فترة الى أخرى للمساعدة في تكوين هذا الفيتامين.
ويفضل البدء بتناول أقراص الفيتامينات قبل الحمل بثلاثة أشهر، لأن القناة العصبية للجهاز العصبي المركزي للجنين (والذي يتطور لاحقاً ليكوّن الدماغ والحبل الشوكي)، تبدأ في التطور خلال الشهر الأول من الحمل.
ويفضل تناول أقراص الفيتامينات خلال فترة الحمل والرضاعة، ويفضل استخدام الماء أو عصير الفواكه كوسيلة لتناول هذه الأقراص، ويمنع تناولها بواسطة الحليب أو الصودا أو الشاي (هذا لا يعني عدم تناول الحليب).
وقد يؤدي وجود الحديد في أقراص الفيتامينات الى معاناة الحامل من الإمساك. لذلك يفضل الإكثار من تناول الماء والمواد الغذائية الغنية بالألياف مثل: الفواكه والخضار والخبز الأسمر واللوبيا والفاصوليا والفول، أو الألياف الجاهزة التي تباع في الصيدليات مثل Psyllium Hydrophilic Mucilloid واسمه التجاري Konsyl، على سبيل المثال لا الحصر، ويجب الإكثار من حركة الجسم. أما في حال كون الحديد يؤدي الى إمساك مزعج للحامل ولا يستجيب لطرق مكافحته المذكورة سابقاً، وكون نسبة الهيموغلوبين Hemoglobin أعلى 10,5 g/dl. فيجب مراجعة الطبيب الذي قد يستبدل أقراص الفيتامينات بأقراص أخرى لا تحتوي على الحديد.
الحالة النفسية للحامل
وعدا السعادة والفرح الذي تشعر به المرأة التي تنوي الحمل للمرة الأولى، فقد تعاني أيضاً من الخوف من الحمل ومن الوضع (رُهاب المخاض Tocophobia).
ويفضل، بل يجب، أن تراجع المرأة الطبيب قبل الحمل، وذلك لتهيئتها نفسياً، وللتأكد من أنها لا تعاني من إضطرابات نفسية وجسدية وعصبية. وفي حال معاناة المرأة من القلق والإكتئاب والذهان، قبل الحمل، فقد تشتد حدة هذه الإضطرابات، أثناء فترة الحمل، وما بعدها كذلك. لذا يجب إعلام طبيب المرأة الموشكة على الحمل، إن كانت مصابة بأمراض نفسية أو داء السكري أو الصرع وأمراض أخرى لا مجال لذكرها هنا. فلداء السكري تأثير سلبي على صحة الجنين، باستطاعتنا تجنبه في حالة السيطرة على المرض... كذلك هناك بعض العقاقير المضادة للتشنجات (الصرع) التي قد تشوه الجنين، وباستطاعة الطبيب إستبدالها بأدوية لا تشكل خطراً على الجنين.
وقد تعاني المرأة في فترة الحمل من مشاكل جسدية ونفسية قد يستلزم الأمر شرحها للزوجة وشرح بعضها للزوج، ويجب على الزوج أن يدعم زوجته طوال فترة الحمل، وفي أثناء الوضع، وأن يمنحها الحب والحنان.
وبإستطاعة الزوجين ممارسة الجنس أثناء فترة الحمل بأكملها بحرية دون قيود، شريطة أن لا يشكل ذلك ضغطاً مباشراً وشديداً على بطن الزوجة، وخاصة في حالة الحمل بتوأم. أما في حال معاناة الزوجة من النزيف، أثناء فترة الحمل، أو في حال كون المشيمة تقع على فتحة عنق الرحم Placenta Previa فيجب الإمتناع عن ممارسة الجنس مطلقاً.
وهناك بعض النساء اللواتي تضعف لديهن الرغبة الجنسية أثناء الحمل، والبعض الآخر تزداد عندهن هذه الرغبة، وهذا أيضاً ينطبق على الزوج. وهناك العديد من الرجال الذين يشمئزون من ممارسة الجنس في حال معاناة الحامل من التقيؤ الشديد والمستمر. بينما يكثر العديد من الرجال من ممارسة الجنس أثناء فترة الحمل.
وتمتد فترة الحمل الطبيعية الى تسعة شهور، تقسم بدورها الى ثلاث مراحل، كل مرحلة مكونة من ثلاثة شهور Trimester. وقد دلت الدراسات على أنه في الثلاثة شهور الأولى قد تعاني عشرة بالمئة من الحوامل من القلق والإكتئاب الطفيف، أما في الثلاثة أشهر الأخيرة فقد يعانين من القلق على سلامة الجنين ومن الخوف من الوضع.
وكما ذكرنا سابقاً، فإن الحب والحنان المقدم من قبل الزوج لزوجته يساعدها بشكل ملحوظ على التغلب على الإضطرابات النفسية والجسدية التي قد تحدث خلال فترة الحمل، بينما قد يؤدي عدم الإنسجام بين الزوجين بحالة المرأة النفسية الى الأسوأ والخوف من المجهول.
علامات وأعراض الحمل
إن أول علامة من علامات الحمل الأولى، وأول سبب يدعو معظم النساء الحوامل لمراجعة الطبيب، هو تأخر الحيض. فإذا كانت المرأة نشطة جنسياً (أي أنها تمارس الجنس) وتأخرت دورة الطمث عندها ما يعادل الأسبوع أو أكثر، فإن ذلك يعتبر مؤشراً إفتراضياً للحمل.
وقد يلاحظ أيضاً إحتقان الثديين (الثدي الحافل) ومعاناة المرأة الحامل من الغثيان مصحوباً أحياناً بتقيؤ. وسبب إحتقان الثديين هو إرتفاع مستوى هرموني الإستروجين Oestrogen والبروجسترون Progesterone.
وقد يكون الهرمون المنشط المنسلي المشيمي البشري Human Chorionic Gonadotropin (hCG) والإستروجين التي تبدأ المشيمة بإنتاجهما بكميات متزايدة، بعشرة أيام بعد الإخصاب Fertilization هما السبب في تطور الغثيان والتقيؤ. ويلاحظ أن معظم الحوامل يعانين في مرحلة الحمل المبكرة من الغثيان والتقيؤ، وغالباً ما تختفي هذه الظاهرة في نهاية الثلاثة شهور الأولى. وتعالج هذه الظاهرة بأن تتناول الحامل فطوراً مكوناً من قطعة صغيرة من الخبز المحمص، أو قطعة من البسكوت، والإكثار من وجبات الطعام الخفيفة، وتجنب شرب الماء مباشرة بعد تناول الطعام، لأن ذلك قد يزيد من إحتمال التقيؤ. ولا توصف الأدوية المضادة للتقيؤ، إلا في حال معاناة الحامل من الجفاف نتيجة فقدان السوائل عن طريق التقيؤ.
كذلك يقوم هرمون الـ- hCG بحث الجسم الأصفر Luteum Corpus الموجود في المبيض Ovary على الإستمرار في إنتاج كميات كبيرة من الإستروجين والبروجسترون بهدف الحفاظ على الحمل. فنلاحظ أن العديد من النساء يعانين من التعب والإرهاق في هذه الفترة. وتشعر أحياناً الحامل بتضخم بطنها (إنتفاخ) في مراحل الحمل المبكرة. وبعد غياب الحيض بأسبوعين، نستطيع القول إن المرأة حامل في أسبوعها السادس.
ويكون فحص البول والدم للحمل إيجابياً. وتمتد فترة الحمل الى 280 يوماً من أول يوم في الحيض الأخير (وذلك في حال كون الدورة منتظمة كل 28 يوماً). ويعتبر تقدم أو تأخر الوضع (الولادة) بأسبوعين تقريباً ظاهرة طبيعية، وقد يتكون على جبهة الحامل طفح جلدي يسمى كلف الحمل (قناع الحمل) وهو أيضاً ظاهرة طبيعية، وهو عبارة عن صباغ Pigment بني اللون، ويلاحظ تزايد الصباغ أيضاً حول الحلمتين. وتعاني الحامل أيضاً من كثرة التبول، وسبب ذلك هو ضغط الرحم النامي على المثانة، من جهة، وزيادة عمل الكلى أثناء الحمل من جهة أخرى، وخاصة أثناء الإستلقاء والنوم.
وفي السنوات الثلاثين الأخيرة بدأ الغرب يسمح للزوج الدخول لغرفة الولادة ومشاهدة عملية ولادة زوجته. وبعدها بسنوات قليلة بدأ العديد من المستشفيات في الدول العربية اتباع هذا الأسلوب. وقد علل العديد من مؤيدي هذه الرخصة بأنها تجعل الرجل يحس بآلام ومعاناة زوجته أثناء الولادة، مما يعزز في تقديره وإحترامه لها.
غير أنه سُجلت عدة حالات أدت الى ردة فعل معاكسة لدى الرجل من الناحية الجنسية. وقد عانى الكثير من الرجال من فقدانهم لرغبتهم الجنسية بعد مشاهدتهم لعملية الولادة. لذلك ينصح العديد من الأطباء بتهيئة الزوج وتقييمه نفسياً قبل حضور عملية الولادة. وفي حال وجود أدنى شك بأن الزوج غير مهيىء لذلك يجب أن يُمنع من حضور عملية الوضع.
ذُهان النفاس
وخلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة من الحمل ترتفع نسبة هرموني الأوستروجين والبروجسترون في دم الحامل إرتفاعاً كبيراً، بينما تنخفض نسبة هذه الهرمونات إنخفاضاً مفاجئاً بعد الولادة مباشرة.
ونتيجة لعدم التوازن هذا، قد تتطور عند الأم بعد الولادة إحدى ثلاثة أنواع من الإضطرابات النفسية، هي: "حزن النفاس" و "اكتئاب النفاس" و "ذهان النفاس". وأخطر هذه الإضطرابات هو ذهان النفاس
Psychosis(Postpartum) Puerperal.
ويعرف ذهان النفاس بأنه نشوء أعراض ذهانية عند الأم خلال الأسبوعين، أو الأربعة أسابيع، التي تلي الولادة، وهو نادر الحدوث إذ تبلغ نسبة الإصابة به واحد من ألف ولادة.
وتعاني المريضة خلال هذا المرض من الأعراض الذهانية والعاطفية التالية: حزن، فرح مرضي Elation، الشعور بالذنب لعدم قيامها بواجباتها تجاه وليدها، الإرهاق، عدم الشعور بملذات الحياة Anhedonia، عدم إنتظام النوم، عدم التركيز والهلوسة Hallucinations (وهو عبارة عن إدراك حسي غير قائم على أساس أو تأثير منبهات خارجية – الحواس الخمسة – فمثلاً سماع المريض لصوت يتكلم معه، بينما في الحقيقة لا يوجد هناك أحد يتكلم، أو رؤيته لحيوانات دون وجودها الفعلي). وضلالات Delusions (وهي عبارة عن معتقدات خاطئة، يتمسك بها المريض بإيمان واقتناع راسخين، ولا يشاركه في معتقداته الخاطئة هذه أشخاص آخرون من نفس الخلفية الثقافية والاجتماعية. ويتمسك المريض بهذه المعتقدات الخاطئة رغم كل الدلائل والبراهين المعارضة لها). وأفكار إنتحارية، أو حتى الانتحار، وقد تقوم بإيذاء وليدها. لذلك يجب أخذ الحذر والحيطة، ووضع الأم تحت المراقبة الشديدة. ويجب إدخالها الى المستشفى إذا كانت تشكل خطراً على حياتها أو حياة وليدها
اللهم ارزق كل امة الاسلام بالذريه الصالحه واقر بهم اعين ذويهم