السابع : ذكر بعض العلماء الذين احتجوا بأحاديث المهدي واعتقدوا موجبها ، وحكاية كلامهم في ذلك :
قال الحافظ أبو جعفر العقيلي المتوفى سنة اثنتين وعشرين وثلاثمئة : «إن في المهدي أحاديث جياداً» . قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب ، في ترجمة علي بن نفيل بن زارع النهدي : «قلت : ذكره العقيلي في كتابه ، وقال : لا يتابع على حديثه في المهدي ، ولا يعرف إلاّ به» . قال : «وفي المهدي أحاديث جياد من غير هذا الوجه» .
ويرى الامام ابن حبان البستي المتوفى سنة 354 أن الاحاديث الواردة في المهدي مخصصة لحديث : «لا يأتي عليكم زمان إلاّ والذي بعده شر منه» .
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ، في الكلام على الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه في كتاب الفتن : «إن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)قال : لا يأتي عليكم زمان إلاّ والذي بعده شر منه ، حتى تلقوا ربكم» . قال : «واستدل ابن حبان في صحيحه بأن الحديث([1]) ليس على عمومه بالاحاديث الواردة في المهدي ، وأنه يملا الارض عدلاً بعد أن ملئت ظلماً» .
وقال الامام البيهقي المتوفى سنة 458 هـ ، بعد كلامه على تضعيف «لامهدي إلاّ عيسى ابن مريم» قال : «والاحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصح البتة إسناداً» .
نقل ذلك عنه الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب ، في ترجمة محمد بن خالد الجندي ، راوي حديث «لا مهدي إلاّ عيسى ابن مريم» ، ونقله عنه أيضاً ابن القيم في المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف .
وقال الامام محمد بن احمد بن أبي بكر القرطبي ، صاحب التفسير المشهور المتوفى سنة 671 هـ ، في كتابه التذكرة في أمور الاخرة ، بعد ذكر حديث «ولا مهدي إلاّ عيسى ابن مريم» قال : «إسناده ضعيف، والاحاديث عن النبي(صلى الله عليه وآله) في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث ، فالحكم بها دونه» ، وقال : «يحتمل أن يكون قوله(صلى الله عليه وآله) : ولا مهدي إلاّ عيسى ابن مريم ، أي لا مهدي كاملاً إلاّ عيسى» . قال : «وعلى هذا تجتمع الاحاديث ويرتفع التعارض» .
نقل ذلك عنه السيوطي في آخر جزء من العرف الوردي في أخبار المهدي .
وقال ابن تيمية المتوفى سنة 728 في كتابه منهاج السنة النبوية (4:211) ، في التعليق على الحديث الذي رواه ابن عمر عن النبي(صلى الله عليه وآله) : «يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي ، وكنيته كنيتي ، يملا الارض عدلاً كما ملئت جوراً ، وذلك هو المهدي» : «إن الاحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة ، رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم من حديث ابن مسعود وغيره ، كقوله(صلى الله عليه وآله)في الحديث الذي رواه ابن مسعود : لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم ، لطول اللّه ذلك اليوم حتى يخرج فيه رجل مني (أو من أهل بيتي) يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي ، يملا الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، ورواه الترمذي وأبو داود من رواية أم سلمة ، وفيه : المهدي من عترتي من ولد فاطمة ، ورواه أبو داود من طريق أبي سعيد ، وفيه : يملك الارض سبع سنين ، ورواه عن علي(رضي الله عنه) أنه نظر إلى الحسن وقال : إن ابني هذا سيد كما سماه رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ، وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم ، يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق ، يملا الارض قسطاً . وهذه الاحاديث غلط فيها طوائف ، طائفة أنكروها ، واحتجوا بحديث ابن ماجة أن النبي(صلى الله عليه وآله) قال : لا مهدي إلاّ عيسى ابن مريم ، وهذا الحديث ضعيف ، وقد اعتمد أبو محمد بن الوليد البغدادي وغيره عليه، وليس مما يعتمد عليه ، ورواه ابن ماجة عن يونس عن الشافعي، والشافعي رواه عن رجل من أهل اليمن يقال له محمد بن خالد الجندي ، وهو ممن لا يحتج به ، وليس في مسند الشافعي ، وقد قيل : إن الشافعي لم يسمعه من الجندي ، وإن يونس لم يسمعه من الشافعي ، وطائفة قالت : جده الحسين ، وكنيته أبو عبد اللّه ، فمعناه محمد بن أبي عبد اللّه ، وجعلت الكنية اسماً ، وممن سلك هذا ابن طلحة في كتابه الذي سماه غاية السول في مناقب الرسول» .
وقد عقد ابن القيم في آخر كتابه المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف ، فصلاً في الكلام على احاديث المهدي وخروجه، والجمع بينها وبين حديث : «لا مهدي إلاّ عيسى ابن مريم» ، قال فيه : «فأما حديث : لا مهدي إلاّ عيسى ابن مريم ، فرواه ابن ماجة في سننه عن يوسف بن عبد الاعلى عن الشافعي عن محمد بن خالد الجندي عن أبان بن صالح عن الحسن عن أنس بن مالك عن النبي(صلى الله عليه وآله) ، وهو مما تفرد به محمد بن خالد . قال أبو الحسن محمد بن الحسين الابري في كتاب مناقب الشافعي : محمد بن خالد هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل . وقد تواترت الاخبار واستفاضت عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) بذكر المهدي ، وأنه من أهل بيته ، وأنه يملك سبع سنين ، وأنه يملا الارض عدلاً ، وأن عيسى يخرج فيساعده على قتل الدجال ، وأنه يؤم هذه الامة ويصلي عيسى خلفه ، وقال البيهقي : تفرد به محمد بن خالد هذا ، وقد قال الحاكم أبو عبد اللّه : هو مجهول، وقد اختُلف عليه في إسناده ، فروي عنه عن أبان بن أبي عياش عن الحسن مرسلاً عن النبي(صلى الله عليه وآله) . قال : فرجع الحديث إلى رواية محمد بن خالد ، وهو مجهول ، عن أبان بن أبي عياش ، وهو متروك ، والاحاديث على خروج المهدي أصح إسناداً» . قال ابن القيم : «قلت : كحديث عبد اللّه بن مسعود عن النبي(صلى الله عليه وآله) : لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم ، لطول اللّه ذلك اليوم حتى يبعث رجل مني (أو من أهل بيتي) يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي ، يملا الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً . رواه أبو داود والترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح . قال (يعني الترمذي) : وفي الباب عن علي وأبي سعيد وأم سلمة وأبي هريرة ، ثم روى حديث أبي هريرة وقال : حسن صحيح».
ثم قال ابن القيم : «وفي الباب عن حذيفة بن اليمان وأبي أمامة الباهلي وعبد الرحمان بن عوف وعبد اللّه بن عمرو بن العاص وثوبان وأنس بن مالك وجابر وابن عباس وغيرهم» ، ثم أورد عدة أحاديث رواها بنص أهل السنن والمسانيد وغيرها ، منها ماهو صحيح ، ومنها ماهو ضعيف أورده للاستئناس به .
ثم قال : «وهذه الاحاديث أربعة أقسام : صحاح ، وحسان ، وغرائب ، وموضوعة ، وقد اختلف الناس في المهدي عن أربعة أقوال ، أحدها أنه المسيح ابن مريم .
واحتج أصحاب هذا القول بحديث محمد بن خالد الجندي المتقدم ، وقد بينا حاله ، وأنه لا يصح ، ولو صح لم يكن به حجة ; لان عيسى أعظم مهدي بين يدي رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وبين الساعة ، وقد دلت السنة الصحيحة عن النبي(صلى الله عليه وآله) على نزوله على المنارة البيضاء شرقي دمشق ، وحكمه بكتاب اللّه ، وقتله اليهود والنصارى ، ووضعه الجزية ، وإهلاك أهل الملل في زمانه ، فيصح أن يقال لا مهدي في الحقيقة سواه ، وإن كان غيره مهدياً ، كما يقال لا علم إلاّ ما نفع ، ولا مال إلاّ ما وقى وجه صاحبه ، وكما يصح أن يقال إنما المهدي عيسى ابن مريم ، يعني المهدي الكامل المعصوم .
القول الثاني : أنه المهدي الذي ولي من بني العباس ، وقد انتهى زمانه » .
ثم ذكر حديثين منهما ذكر مجيء الرايات السود من قبل المشرق من جهة خراسان ، وأشار إلى ضعفهما ، ثم قال مشيراً إلى أولها وثانيها : «هذا والذي قبله لو صح لم يكن فيه دليل على([2])المهدي الذي تولى من بني العباس هو المهدي الذي يخرج من آخر الزمان ، بل هو مهدي من جملة المهديين ، وعمر بن عبد العزيز كان مهدياً » .
ثم قال : «القول الثالث أنه رجل من أهل بيت النبي(صلى الله عليه وآله) يخرج في آخر الزمان ، وقد امتلات الارض جوراً وظلماً فيملاها قسطاً وعدلاً ، وأكثر الاحاديث على هذا تدل » .
ثم أورد بعض الاحاديث في خروج المهدي ، ثم قال : «وأما الامامية فلهم قول رابع ، وهو أن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري المنتظر ، من ولد الحسين بن علي ، لا من ولد الحسن ، الحاضر في الامصار الغائب عن الابصار» .
وقال أبو الحسن السمهودي المتوفى سنة 911 هـ : «ويتحصل مما ثبت في الاخبار عنه (أي المهدي) أنه من ولد فاطمة ، في أبي داود أنه من ولد الحسن ، والسر فيه ترك الحسن الخلافة للّه شفقة على الامة ، فجعل القائم بالخلافة ـ الحق ـ عند شدة الحاجة وامتلاء الارض ظلماً من ولده ، وهذه سنة اللّه في عباده أنه يعطي لمن ترك شيئاً من أجله أفضل مما ترك أو ذريته ، وقد بالغ الحسن في ترك الخلافة» . انتهى بواسطة نقل المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير للسيوطي.
وقال ابن حجر المكي المتوفى سنة 974 هـ في كتابه القول المختصر في علامات المهدي المنتظر : «الذي يتعين اعتقاده مادلت عليه الاحاديث الصحيحة من وجود المهدي المنتظر ، الذي يخرج الدجال وعيسى خلفه ، وأنه المراد حيث أُطلق المهدي» . انتهى بواسطة نقل البرزنجي في الاشاعة لاشراط الساعة .
وقال الحافظ عماد الدين بن كثير(رحمه الله) ، في كتاب الفتن والملاحم تحت عنوان في ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان : «وهو أحد الخلفاء الراشدين الائمة المهديين» .
وقال الترمذي : «حدثنا محمد جعفر حدثنا شعبة سمعت زيداً العمى سمعت الصديق الناجي يحدث عن أبي سعيد الخدري قال : خشينا أن يكون بعد نبينا حدث ، فسألنا نبي اللّه(صلى الله عليه وآله) فقال : إن في امتي المهدي ، يخرج فيعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً (زيد الشاك) . قال : قلنا : وما ذاك ؟ قال : سنين . قال : يجيء إليه الرجل فيقول : يا مهدي أعطني . قال : فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله . هذا حديث حسن ، وقد روي من غير وجه عن أبي سعيد عن النبي(صلى الله عليه وآله) . وأبو الصديق الناجي اسمه بكر بن عمرو ، ويقال بكر بن قيس ، وهذا دليل على أن أكثر مدته تسع ، وأقلها خمس أو سبع ، ولعله هو الخليفة الذي يحثي المال حثياً . واللّه أعلم . وفي زمانه تكون الثمار كثيرة ، والزروع غزيرة ، والمال وافر ، والسلطان قاهر ، والدين قائم ، والعدو راغم ، والخير في أيامه دائم» .
قال الامام أحمد : «حدثنا حسن بن موسى حدثنا حماد بن زيد عن مجالد عن الشعبي عن مسروق قال : كنا جلوساً عند عبد اللّه بن مسعود ، وهو يقرئنا القرآن ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمان ، هل سألتم رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) كم يملك هذه الامة من خليفة ؟ قال عبد اللّه : ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك ، ثم قال : نعم ، ولقد سألنا رسول اللّه فقال : اثنا عشر كعدد نقباء بني إسرائيل» .
وأصل الحديث ثابت في الصحيحين من حديث جابر بن سمرة قال : «سمعت النبي(صلى الله عليه وآله) يقول : لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً، ثم تكلم النبي(صلى الله عليه وآله) بكلمة خفيت علي ، فسألت أبي ماذا قال النبي(صلى الله عليه وآله)قال : كلهم من قريش» وهذا لفظ مسلم ، ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحاً يقيم الحق ويعدل فيهم .
وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي صاحب فيض القدير شرح الجامع الصغير ، المتوفى سنة 1032 هـ ، في كتابه المذكور : «وأخبار المهدي كثيرة شهيرة ، أفردها غير واحد في التأليف» إلى أن قال : «أخبار المهدي لا يعارضها خبر : لا مهدي إلاّ عيسى ابن مريم ; لان المراد به ، كما قال القرطبي ، لا مهدي كاملاً إلاّ عيسى ابن مريم» .
وقال المناوي عند حديث : « لن تهلك أمة أنا في أولها وعيسى بن مريم في آخرها ، والمهدي في وسطها» «أراد بالوسط ما قبل الاخر ، لان نزوله(عليه السلام) لقتل الدجال يكون في زمن المهدي ، ويصلي عيسى خلفه ، كما جاءت به الاخبار ، وجزم به جمع من الاخيار» وذكر عند حديث : «منا الذي يصلي عيسى ابن مريم خلفه» أنه بعد نزوله يجيء فيجد الامام المهدي يريد الصلاة ، فيتأخر ليتقدم ، فيقدمه عيسى(عليه السلام)ويصلي خلفه . قال : «فأعظم به فضلاً وشرفاً لهذه الامة» ثم قال : «ولا ينافي ما ذكر في هذا الحديث ما اقتضاه بعض الاثار ، من أن عيسى هو الامام المهدي ، وجزم به السعد التفتازاني ، وعلله بأفضليته ; لامكان الجمع بأن عيسى يقتدي بالمهدي أولاً ليظهر أنه نزل تابعاً لنبينا حاكماً بشرعه ، ثم بعد ذلك يقتدي المهدي به على أصل القاعدة من اقتداء المفضول بالفاضل» .
وقال الشيخ محمد السفاريني في كتابه لوامع الانوار البهية وسواطع الاسرار الاثرية ، الذي شرح فيه نظمه في العقيدة المسمى «الدرة المغنية في عقد الفرقة المرضية» :
وما أتى بالنص من أشراط فكله حق بلا شطاط
منها الامام الخاتم النصيح محمد المهدي والمسيح
«منها أي من أشراط الساعة التي وردت بها الاخبار ، وتواترت في مضمونها الاثار ، أي من العلامات العظمى ، وهي أولها أن يظهر الامام المقتدى بأقواله وأفعاله ، الخاتم للائمة فلا امام بعده ، كما أن النبي(صلى الله عليه وآله) هو الخاتم للنبوة والرسالة ، فلا نبي ولا رسول بعد الفصيح اللسان ، لانه من صحيح العرب أهل الفصاحة والبلاغة» .
ثم قال : «وقوله : محمد المهدي ، هذا اسمه وأشهر أوصافه ، فأما اسمه فمحمد ، جاء ذلك في عدة أخبار ، وفي بعضها أن اسمه محمد ، واسم ابيه عبد اللّه ، فقد صح عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنه قال : يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي . رواه أبو نعيم من حديث أبي هريرة ، ولفظه أن النبي(صلى الله عليه وآله) قال : لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم ، لطول اللّه ذلك اليوم حتى يلي رجل من أهلي بيتي ، يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي ، يملاها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، وروى نحوه الترمذي وأبو داود والنسائي والبيهقي وغيرهم من حديث ابن مسعود(رحمه الله) .
وفي رواية من حديث ابن مسعود أيضاً : لا تذهب الدنيا حتى يملك رجل من أهل بيتي ، يواطئ اسمه اسمي ، يملا الارض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً ... أخرجه الطبراني في معجمه الصغير ، وأخرجه الترمذي ، ولفظه : حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي ، وقال : حديث حسن صحيح ، وكذلك أخرجه أبو داود في سننه ، وروى ابن مسعود أيضاً رفعه : اسم المهدي محمد ، وفي مرفوع حذيفة : محمد بن عبد اللّه ، ويكنى أبا عبد اللّه ، ومن أسمائه احمد بن عبد اللّه ، كما في بعض الروايات» . إلى أن قال : «وأما تسميته ووصفه بالمهدي ، فقد ثبتت له هذه الصفة في عدة أخبار» . إلى أن قال : «وأما كنيته فأبو عبد اللّه ، وأما نسبه فإنه من أهل بيت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)» .
ثم إن الروايات الكثيرة والاخبار الغزيرة ناطقة أنه من ولد فاطمة البتول ابنة النبي الرسول(صلى الله عليه وآله) ورضي عنها وعن أولادها الطاهرين ، وجاء في بعض الاحاديث أنه من ولد العباس ، والاول أصح . قال ابن حجر في كتابه القول المختصر : وأما ما روي : إن المهدي من ولد العباس عمي ، فقال الدارقطني : حديث غريب تفرد به محمد بن الوليد مولى بني هاشم . قال : ولا ينافيه خبر الرافعي عن ابن عباس مرفوعاً: ألا ابشرك يا عم أن ذريتك الاصفياء ، ومن عترتك الخلفاء ، ومنك المهدي في آخر الزمان ، به ينشر اللّه الهدى ، ويطفئ نيران الضلالة . إن اللّه فتح بنا هذا الامر ، وبذريتك يختم . ثم أورد ابن حجر عدة أخبار في هذا المعنى ، ثم قال : فهذه الاخبار كلها لا تنافي أن المهدي من ذرية رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) من ولد فاطمة الزهراء ; لان الاحاديث التي فيها أن المهدي من ولدها أكثر وأصح ، بل قال بعض حفاظ الامة وأعيان الائمة ، أن كون المهدي من ذريته(صلى الله عليه وآله) مما تواتر عنه ذلك ، فلا يسوغ العدول ولا الالتفات إلى غيره» .
ثم ذكر الشيخ السفاريني(رحمه الله) خمس فوائد ، تكلم على كل واحدة منها ، الاولى في حليته وصفته ، والثانية في سيرته ، والثالثة في علامات ظهوره ، والرابعة في الاشارة إلى بعض الفتن الواقعة قبل خروجه ، والخامسة في مولده وبيعته ومدة ملكه ومتعلقات ذلك ، ثم قال بعد الانتهاء من الكلام على الفوائد الخمس : «قد كثرت الاقوال في المهدي ، حتى قيل لا مهدي إلاّ عيسى ، والصواب الذي عليه أهل الحق أن المهدي غير عيسى ، وأنه يخرج قبل نزول عيسى(عليه السلام) ، وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي ، وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عُدَّ من معتقداتهم» ثم ذكر بعض الاثار والاحاديث في خروج المهدي ، وأسماء بعض الصحابة الذين رووها ، ثم قال : «وقد روي عما([3]) ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم رضي اللّه عنهم روايات متعددة ، وعن التابعين من بعدهم ما يفيد مجموعه العلم القطعي ، فالايمان بخروج المهدي واجب ، كما هو مقرر عند أهل العلم، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة» .
وقال الشيخ محمد بشير السهسواني الهندي المتوفى سنة ست وعشرين وثلاثمئة والف ، في كتابه صيانة الانسان عن وسوسة الشيخ دحلان : «وبعد انقراض قرن الصحابة أتى أمته ما يوعدون من الحوادث والبدع ، وكلما أحدثت بدعة رفع مثلها من السنة ، ولكن في قرن التابعين وأتباع التابعين لم تظهر البدع ظهوراً فاشياً ، وأما بعد قرن أتباع التابعين فقد تغيرت الاحوال تغيراً فاحشاً ، وغلبت البدع ، وصارت السنة غريبة ، واتخذ الناس البدعة سنة والسنة بدعة ، ولا تزال السنة في المستقبل غريبة إلاّ ما استثني من زمان المهدي(رضي الله عنه) ، وعيسى(عليه السلام)إلى أن تقوم الساعة على شرار الناس» .
وقال الشيخ شمس الحق العظيم آبادي المتوفى سنة 1329 هـ في حاشيته المسماة عون المعبود على سنن أبي داود : «وخرّج أحاديث المهدي جماعة من الائمة ، منهم أبو داود والترمذي وابن ماجة والبزاز والحاكم والطبراني وأبو يعلى الموصلي ، وأسندوها إلى جماعة من الصحابة ، مثل علي وابن عباس وابن عمر وطلحة وعبد اللّه بن مسعود وأبي هريرة وأنس وأبي سعيد الخدري وأم حبيبة وأم سلمة وثوبان وقرة بن إياس وعلي الهلالي وعبد اللّه بن الحارث ابن جزء ، وإسناد أحاديث هؤلاء بين صحيح وحسن وضعيف» .
وقال الشيخ محمد أنور شاه الكشميري المتوفى سنة 1352 هـ في كتابه عقيدة الاسلام : «أخرج مسلم في نزول عيسى(عليه السلام) عن جابر يقول : سمعت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) يقول : لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة . قال : فينزل عيسى ابن مريم(صلى الله عليه وآله)فيقول أميرهم : تعال صلّ لنا ، فيقول لا ، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة اللّه هذه الامة» . قال الكشميري : «المراد به أنه لا يؤم في تلك الصلاة ، حتى لا يتوهم أن الامة المحمدية سلبت الولاية» .
هذه بعض الكلمات التي وقفت عليها لبعض أهل السنة والاثر في شأن المهدي ، والاحتجاج بالاحاديث الواردة فيه ، وأعني بأهل السنة والاثر أهل الحديث ومن سار على منوالهم ، ممن جعل مستنده في الاعتقاد كتاب اللّه وما ثبت عن رسوله(صلى الله عليه وآله) ، دون الاعتراض على ذلك بخيال يسميه صاحبه معقولاً .