الثالث : ذكر لبعض الذين ألفوا كتباً في شأن المهدي :
وكما اعتنى علماء هذه الامة بجمع الاحاديث الواردة عن نبيهم(صلى الله عليه وآله)تأليفاً وشرحاً ، كان للاحاديث المتعلقة بأمر المهدي قسطها الكبير من هذه العناية ، فمنهم من أدرجها ضمن المؤلفات العامة كما في السنن والمسانيد وغيرها ، ومنهم من أفردها بالتأليف ، وكل ذلك حصل منهم حماية لهذا الدين ، وقياماً بما يجب من النصح للمسلمين ، فمن الذين أفردوها بالتأليف :
1 ـ أبو بكر بن أبي خيثمة زهير بن حرب . قال ابن خلدون في مقدمة تاريخه : «ولقد توغل أبو بكر بن أبي خيثمة على ما نقل السهيلي عنه في جمعه للاحاديث الواردة في المهدي» .
2 ـ الحافظ أبو نعيم ، ذكره السيوطي في الجامع الصغير ، وذكره في العرف الوردي ، بل قد لخص السيوطي الاحاديث التي جمعها أبو نعيم في المهدي ، وجعلها ضمن كتابه العرف الوردي ، وزاد عليها فيه أحاديث وآثاراً كثيرة جداً .
3 ـ السيوطي ، فقد جمع فيه جزءاً سماه العرف الوردي في أخبار المهدي ، وهو مطبوع ضمن كتابه الحاوي للفتاوي في الجزء الثاني منه . قال في أوله : «الحمد للّه وسلام على عباده الذين اصطفى ، هذا جزء جمعت فيه الاحاديث والاثار الواردة في المهدي ، لخصت فيه الاربعين التي جمعها الحافظ أبو نعيم ، وزدت عليه مافات ، ورمزت عليه صورة (ك)» .
والاحاديث والاثار التي أوردها السيوطي في شأن المهدي تزيد على المئتين ، وفيها الصحيح والحسن والضعيف والموضوع ، وإذا أورد الحديث الواحد أضافه إلى كل من الذين خرّجوه ، فيقول مثلاً في أحدها : «أخرج أبو داود وابن ماجة والطبراني والحاكم عن أم سلمة : سمعت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) يقول : المهدي من عترتي من ولد فاطمة» .
4 ـ الحافظ عماد الدين بن كثيرة قال في كتابه الفتن والملاحم : «وقد أفردت في ذكر المهدي جزءاً على حدة ، وللّه الحمد والمنة» .
5 ـ الفقيه ابن حجر المكي ، وقد سمى مؤلَّفه القول المختصر في علامات المهدي المنتظر ، ذكر ذلك البرزنجي في الاشاعة ، ونقل منه ، وكذلك السفاريني في لوامع الانوار البهية ، وغيرهما .
6 ـ علي المتقي الهندي صاحب كنز العمال ، فقد ألف في شأن المهدي رسالة ذكرها البرزنجي في الاشاعة ، وذكر ذلك قبله أيضاً ملا علي القاري الحنفي ، في المرقاة شرح المشكاة .
7 ـ ملا علي القاري ، وسمى مؤلَّفه المشرب الوردي في مذهب المهدي ، ذكره في الاشاعة ، ونقل جملة كبيرة منه .
8 ـ مرعي بن يوسف الحنبلي المتوفى سنة ثلاث وثلاثين بعد الالف ، وسمى مؤلَّفه فوائد الفكر في ظهور المهدي المنتظر ، ذكره السفاريني في لوامع الانوار البهية ، وذكره الشيخ صديق حسن القنوجي في كتابه الاذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة ، وغيرها .
9 ـ ومن الذين ألفوا في شأن المهدي ، بالاضافة إلى مسألتي نزول عيسى(عليه السلام) وخروج المسيح والدجال ، القاضي محمد بن علي الشوكاني ، وسمى مؤلَّفه التوضيح في تواتر ماجاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح ، ذكر ذلك صديق حسن في الاذاعة ، ونقل جملة منه ، والشوكاني ممن ألف بشأنه ، وحكى تواتر الاحاديث الواردة فيه .
10 ـ الامير محمد بن إسماعيل الصنعاني صاحب سبل السلام ، المتوفى سنة 1182 هـ . قال صديق حسن في الاذاعة : «وقد جمع السيد العلامة بدر الملة المنير ، محمد بن إسماعيل الامير اليماني ، الاحاديث القاضية بخروج المهدي ، وأنه من آل محمد(صلى الله عليه وآله) ، وأنه يظهر في آخر الزمان» ، ثم قال : «ولم يأت تعيين زمنه إلاّ أنه يخرج قبل خروج الدجال» .
الرابع : ذكر بعض الذين حكوا تواتر أحاديث المهدي ونقل كلامهم في ذلك :
1 ـ الحافظ أبو الحسن محمد بن الحسين الابري السجزي صاحب كتاب مناقب الشافعي ، المتوفى سنة ثلاث وستين وثلاثمئة من الهجرة . قال في محمد بن خالد الجندي راوي حديث : «لا مهدي إلاّ عيسى بن مريم» : «محمد بن خالد هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل ، وقد تواترت الاخبار واستفاضت عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) بذكر المهدي ، وأنه من أهل بيته ، وأنه يملك سبع سنين ، وأنه يملا الارض عدلاً ، وأن عيسى(عليه السلام) يخرج فيساعده على قتل الدجال ، وأنه يؤم هذه الامة ويصلى عيسى خلفه» .
نقل ذلك عنه ابن القيم في كتابه المنار ، وسكت عليه ، ونقله عنه أيضاً الحافظ بن حجر في تهذيب التهذيب ، في ترجمة محمد بن خالد الجندي ، وسكت عليه ، ونقل عنه ذلك وسكت عليه أيضاً فتح الباري ، في باب نزول عيسى بن مريم(عليه السلام) ، ونقل عنه ذلك أيضاً السيوطي في آخر جزء العرف الوردي في أخبار المهدي ، وسكت عليه ، ونقل ذلك عنه مرعي بن يوسف في كتابه فوائد الفكر في ظهور المهدي المنتظر ، كما ذكر ذلك صديق حسن في كتابه الاذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة .
2 ـ محمد البرزنجي المتوفى سنة ثلاث بعد المئة والالف في كتابه الاشاعة لاشراط الساعة . قال : «الباب الثالث في الاشراط العظام والامارات القريبة التي تعقبها الساعة ، وهي أيضاً كثيرة ، فمنها المهدي ، وهو أولها . واعلم أن الاحاديث الواردة فيه على اختلاف رواياتها لا تكاد تنحصر» إلى أن قال : «ثم الذي في الروايات الكثيرة الصحيحة الشهيرة أنه من ولد فاطمة» إلى أن قال : «قد علمت أن أحاديث وجود المهدي وخروجه آخر الزمان ، وأنه من عترة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) من ولد فاطمة ، بلغت حد التواتر المعنوي ، فلا معنى لانكارها».
وقال في ختام كتابه المذكور ، بعد الاشارة إلى بعض أمور تجري في آخر الزمان : «وغاية ما ثبت الاخبار الصحيحة الكثيرة الشهيرة ، التي بلغت التواتر المعنوي ، وجود الايات العظام التي فيها بل أولها خروج المهدي ، وأنه يأتي في آخر الزمان من ولد فاطمة يملا الارض عدلاً كما ملئت ظلماً» .
3 ـ الشيخ محمد السفاريني المتوفى سنة ثمان وثمانين بعد المئة والالف ، في كتابه لوامع الانوار البهية . قال : «وقد كثرت بخروجه (يعني المهدي) الروايات ، حتى بلغت حد التواتر المعنوي» وأورد الاحاديث في خروج المهدي ، وأسماء بعض الصحابة الذين رووها ، ثم قال : «وقد روي عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم رضي اللّه عنهم بروايات متعددة ، وعن التابعين من بعدهم ، ما يفيد مجموعه العلم القطعي ، فالايمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة» .
4 ـ القاضي محمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة خمسين بعد المئتين والالف ، وهو صاحب التفسير المشهور ، ومؤلف نيل الاوطار. قال في كتابه التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح : «فالاحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر ، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة ، بل يصدق وصف المتواتر على ما هو دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الاصول ، وأما الاثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي ، فهي كثيرة جداً ، لها حكم الرفع ; إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك» .
وقال في مسألة نزول المسيح(عليه السلام) : «فتقرر أن الاحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة ، والاحاديث الواردة في الدجال متواترة ، والاحاديث الواردة في نزول عيسى(عليه السلام) متواترة» .
5 ـ الشيخ صديق حسن القنوجي المتوفى سنة سبع بعد الثلاثمئة والالف . قال في كتابه الاذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة : «والاحاديث الواردة في المهدي على اختلاف رواياتها كثيرة جداً ، تبلغ حد التواتر المعنوي ، وهي في السنن وغيرها من دواوين الاسلام من المعاجم والمسانيد» إلى أن قال : «لاشك أن المهدي يخرج في آخر الزمان من غير تعيين شهر ولا عام ، لما تواتر من الاخبار في الباب ، واتفق عليه جمهور الامة خلفاً عن سلف ، إلاّ من لا يعتد بخلافه» إلى أن قال : «فلا معنى للريب في أمر ذلك الفاطمي الموعود المنتظر ، المدلول عليه بالادلة ، بل إنكار ذلك جرأة عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة ، البالغة الى حد التواتر» .
6 ـ الشيخ محمد بن جعفر الكتاني المتوفى سنة خمس وأربعين بعد الثلاثمئة والالف . قال في كتابه نظم المتناثر في الحديث المتواتر : «وقد ذكروا أن نزول سيدنا عيسى(عليه السلام) ثابت بالكتاب والسنة والاجماع» ثم قال : «والحاصل أن الاحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة ، وكذا الواردة في الدجال ، وفي نزول سيدنا عيسى ابن مريم(عليه السلام)».
الخامس : ذكر بعض ما ورد في الصحيحين من الاحاديث مما له تعلق بشأن المهدي :
1 ـ روي البخاري في باب نزول عيسى بن مريم عن أبي هريرة قال : «قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم ، وإمامكم منكم؟ » .
2 ـ وروى مسلم في كتاب الايمان من صحيحه عن أبي هريرة مثل حديثه عن البخاري ; ورواه أيضاً عن أبي هريرة بلفظ : «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم فأمكم منكم ؟» ، وفيه تفسير ابن أبي ذئب راوي الحديث لقوله : «وامكم منكم» ، بقوله : «فأمكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى وسنة نبيكم(صلى الله عليه وآله)» .
3 ـ وروى مسلم في صحيحه عن جابر أنه سمع النبي(صلى الله عليه وآله) يقول : «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة .
قال : فينزل عيسى ابن مريم(عليه السلام) فيقول أميرهم : تعال صل لنا ، فيقول : لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة اللّه هذه الامة» .
فهذه الاحاديث التي وردت في الصحيحين ، وإن لم يكن فيها التصريح بلفظ المهدي ، تدل على صفات رجل صالح يؤم المسلمين في ذلك الوقت . وقد جاءت الاحاديث في السنن والمسانيد وغيرها مفسرة لهذه الاحاديث التي في الصحيحين ، ودالة على أن ذلك الرجل الصالح اسمه محمد ، ويقال له المهدي . والسنة يفسر بعضها بعضاً .
ولما كان المقام لا يتسع لايراد الكثير من الاحاديث الواردة في غير الصحيحين ، في شأن المهدي ، والكلام عليها ، رأيت الاقتصار هنا على إيراد بعضها ، مع الكلام على بعض أسانيدها .
السادس : ذكر بعض الاحاديث في المهدي الواردة في غير الصحيحين :
1 ـ عن أبي سعيد الخدري قال : «قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : أبشركم بالمهدي . يبعث على اختلاف من الناس ، وزلازل ، فيملا الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الارض ، يقسم المال صحاحاً . قال له رجل : ما صحاحاً ؟ قال : بالسوية ، ويملا اللّه قلوب أمة محمد(صلى الله عليه وآله) غناء ، ويسعهم عدله» ، إلى آخر الحديث .
قال الهيثمي في مجمع الزوائد : «رواه أحمد بأسانيد أبي يعلى باختصار كثير» .
2 ـ عن أبي هريرة عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال : «يكون في أمتي المهدي» ، إلى آخر الحديث .
قال الهيثمي : «رواه الطبراني في الاوسط ، ورجاله ثقات» .
3 ـ عقد أبو داود في سننه كتاباً ، قال في أوله : «أول كتاب المهدي»، وقال في آخره : «آخر كتاب المهدي» ، وجعل تحته باباً واحداً أورد فيه ثلاثة عشر حديثاً ، وصدر هذا الكتاب بحديث جابر ابن سمرة قال : «سمعت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) يقول : لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة» الحديث .
قال السيوطي في آخر جزء من العرف الوردي في أخبار المهدي : «إن في ذلك إشارة إلى ما قاله العلماء : إن المهدي احد الاثني عشر» .
4 ـ روى أبو داود في سننه من طريق عاصم بن أبي النجود ، عن أبي زرعة عن عبد اللّه بن مسعود ، عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) قال : «لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطول اللّه ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً مني (أو من أهل بيتي) يواطئ اسمه اسمي» الحديث .
وهذا الحديث سكت عليه أبو داود والمنذري ، وكذا ابن القيم في تهذيب السنن وقد أشار إلى صحته في المنار المنيف ، وصححه ابن تيمية في منهاج السنة النبوية ، وقد أورده في مصابيح السنة في فصل الحسان ، وقال عنه الالباني في تخريج أحاديث المشكاة : «وإسناده حسن» .
5 ـ قال أبو داود في سننه : «حدثنا سهل بن تمام بن بديع ، حدثنا عمران القطان عن قتادة ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : المهدي مني أجلى الجبهة ، أقنى الانف ، يملا الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، ويملك سبع سنين» .
قال ابن القيم في المنار المنيف : «رواه أبو داود بإسناد جيد» ، وأورده في مصابيح السنة في فصل الحسان ، وقال الالباني في تخريج أحاديث المشكاة : «وإسناده حسن» ، ورمز لصحته السيوطي في الجامع الصغير .
6 ـ قال أبو داود في سننه : «حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا عبد اللّه بن جعفر الرقي ، حدثنا أبو المليح الحسن بن عمر عن زياد بن بيان عن علي بن نفيل عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة قالت : سمعت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) يقول : المهدي من عترتي من ولد فاطمة» ، وأخرجه ابن ماجة عن سعيد بن المسيب قال : «كنا عند أم سلمة فتذاكرنا المهدي ، فقالت : سمعت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) يقول : المهدي من ولد فاطمة» .
وقد أورد هذا الحديث السيوطي في الجامع الصغير ، ورمز لصحته ، وأورده في مصابيح السنن في فصل الحسان ، وقال الالباني في تخريج أحاديث المشكاة : «وإسناده جيد» .