التاجر الناجح ، هو الذي يقف بعد موسم تجاري عنيف ليحسب أرباحه وخسائره .. يحصي موارده .. يقيم خطواته .. يرسم خطته للموسم القادم .. والمسلم الناجح ليس بأقل من هذا التاجر في شيء ..
فلقد جاءه شهر مثالي كي يريح فيه الذهن والفؤاد لبرهة من تعب الحياة ومشاقها ، ويجلس مع نفسه ليقيم خطواته السابقة ، ويحاسب نفسه ، ويُخرج ما في صندوق حياته من مغنم ومغرم ..
لا أتحدث لمن يعيش على موائد رمضان الزاخرة بأطايب الطعام .. ولا لمن رأى أن هذا الشهر هو للعبادة حتى إذا ما انتهى عاد سيرته الأولى .. بل أتحدث إلى أنفسنا أولا .. وإلى من فتح دفتر حساباته وأدنى مصباح الضمير ليرى بوضوح نتائج المرحلة ..
نتحدث إلى ذواتنا كي نقف معها قليلا .. لتأخذ من هذا الشهر فائدة للدهر ..
آه لو أدري ..
ـ أن الإسلام قد تعرض لظلم من أبنائه ـ وأنا أحدهم ـ أكبر مما تعرض من أعدائه ، فلقد مارسنا على الإسلام جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد ، حينما حصرناه في قواعد نظرية ، ولم نخرجه للناس سلوكا واقعيا ، ظلمناه عندما اختزلناه في أحكام فقهية ، وتناسينا أنه قيم تحتاج لمن يطبقها على أرض الواقع لتخبر العالم أجمع أن لا سبيل سواه لتغيير وجه الأرض إلى الأفضل .
آه لو أفهم ..
ـ أننا لو أعطينا لللإسلام خمس ما نعطيه للهونا ولعبنا ، أو عشر ما نعطيه من اهتمامنا بتجارتنا وأموالنا ، لكنا قد قدمنا لهذه الرسالة الكثير والكثير ..
آه لو أعلم ..
ـ أن حرث الدنيا ـ رغم بريقه ـ فان ذاهب ، وأن حرث الآخره ـ رغم مشقته ـ باق خالد .. وأن الله جل أسماؤه ، قادر على أن يستبدلنا بقوم ( ليسوا أمثالنا) لكنه رحيم رءوف ..
آه لو فكرت ..
ـ في أن الغنى في القلب ، والسعادة في الإيمان ، والراحة في القرب من الله .. وبأن الحياة دون الطمع بما عند الله موحشة ليس لها طعم .. وإن وجد فطعم زائف ..
آه لو لم أعي ..
أن أول من تسعر به النار قائل لم يفعل ، دعا الى الله ولم يهم إليه ، أشار إلى الطريق فهدى الناس لكنه أدار له ظهره ..
رضي من الدنيا بمقولة ثناء .. ورداء فخر .. وتصفيق معجبين .. لكنه في الآخرة صفر .. على الشمال .
فلنغتنم أخوانى و أخواتي هذه العشر بكثرة الطاعات و العبادات خاصة الصلاة و الدعاء ، فرُبّ ساعة طاعة صادقة لله في هذا الشهر الفضيل تنجيكِ من أعوام الشقاء ...
نسأل الله السلامة و النجاة من النار و الفوز بالجنة ...