إِيهٍ ياشامُ..ضيَّعُوك ..اا
خرجت فاطمة مُندسَّة في خوفها مع ماتبقى من نسوة المدينة
مُرمّلاتٍ هائماتٍ على وجوههنّ يتأبطن سواد أحزانهنّ والاحساس بالرُّعب
لايبارح قلوبهن، أنفاسٌ تصعد مُلبّدة بغصّة خانقة، في مُنحدرات الخوف
يعبُرن المسالك المُوحشة حافيّاتٍ جائعاتٍ مُكفناتٍ في هُموم رحلة
اللانهاية
1- على ضفافِ نهرالفرات العذب ماء
مُتدفقٌ مُنذ الأزل، وشعب مسالم طيّب الأعراق هكذا كان ومايزال، آمنين في
بيُوتهم مُطمئنين في سُهول الدّير النديّة، ذات هُدوء تلبّدت سماءُ المدينة
بثورات التدمير مُتخفيّة تحت شعارالتغيير، هبّت عواصف الموت مُزمجرة
زرعُوها تفترس الأجساد في ليلة صيف غَبراءعلى دُروب {دير الزور} حرب مُكشرة
عن أنياب الرُّعب، شظايا تسكن البيوتـ تفجِّرها،ألسنةالنار تُعانق الغبار،
البيوت سويّت على سكانها بوحشيّة الطغاة،عاشت ليلتهاالمدينة مشاهد مُفزعة،
صارت تقتات من الأقدام الحافيّة، لاشيئ فيها يُنبئ بالحياة الاأنين
الأطفال وجُثث الكبار المُشوهة، بحّت الحناجر تبحثُ عن وطن في الذاكرة،
جبابرةُ هذا الزّمن، أنظمة العار تُشبه نفسها في العهر والفساد والجريمة،
لم يتركوا لهؤلاء العُزل جدارًا واقفًا ولاحُفرة تأويهم ولاذراعًا يمتدُّ
لانتشال من هم تحت الأنقاض، تركوهم في العَراء كالأشباح يتحركون بلا حول
ولاقوة، وسط خرائب الديّار يتوضؤون بدمُوع الثكالى ويسبحون في وحل من
الأحمر القاني، رُعبٌ وخرابٌ ونواحٌ وتكبيراتٌ مُجلجلة..
2- خرجت فاطمة مُندسَّة في خوفها مع ماتبقى من نسوة المدينة
مُرمّلاتٍ هائماتٍ على وجوههنّ يتأبطن سواد أحزانهنّ والاحساس بالرُّعب
لايبارح قلوبهن، أنفاسٌ تصعد مُلبّدة بغصّة خانقة، في مُنحدرات الخوف
يعبُرن المسالك المُوحشة حافيّاتٍ جائعاتٍ مُكفناتٍ في هُموم رحلة
اللانهاية، مات الأطفال وتشخّبت الأثداءُ، جفت الدُّموع من هول الهول،
رحلوا يُلملمُون الضيّاع في أشلاء الغُربة، يُهاجرون بحلم الطيُور الى وطنٍ
يأوِيهم ووجهتُهم كانت الجزائر الحاضنة دار اقامة، ماتزال تلك السيدة
تخرجُ كل يوم في مدينة {الجلفة } تجوبُ الديّار تستعطفها تنادي: يا أهل
الجلفة أنا من دِير الزُّورالمنكوبة، جئت أبحثُ عن أبنائي والزّوج
المخطوف..عن عُمرضاع، عن رضيعةٍ تركتُها تحت الرَّدم وسط اكداسٍ من أشلاء
الشهداء..يا أهل الجلفة فقدت أهلي جميعًا في ذلك اليوم المشؤوم..ا..أنا
غريبة الدّار هنا مأزومة ..بلا هُويّة خائفة..خائفة..وأنتم أهلي ولا أهل لي
غيركم ..تعرض نفسها..تفزع مذعورة،تسحب نفسا عميقا.. ترسم ظل طفليها على
أرصفة القلوب حتى لاتغيب صورتهما، تكتبُ الوجعَ بمداد نبضها المفجُوع،
تستانسُ بالعصافير التي تبكي فِراخها في دوحة ذات أفنان، تُخَضْخِضُها
الأسئلة الحارقة وقد أرهبتها الشكُوك، تهذي في مدخل المقبرة الخضراء..تسأل
الواقفين على رُخام القبورمن يقتل أبناء سوريا؟ أين الرجال؟ تستفزها أحزان
الوطن لتذكرألمها وتختصر البُكاء، تحفر على أسوار القلب بأظافرحُزنها
أخدودًا، هل سوريا تموت؟ تسأل: وكأنها تستنب عشب الكلمات والأشواك
الدامية.. أجل سوريا تحترق..لماذا سوريا مُستهدفة؟هل بلاد الشام تستنقع ؟
3- ياويلاتاه صرنا عِراقًا..اا ترتعشُ لخوف الخوف، تستفيق.. تتذكر أنّها
مُهجّرةٌ مع الطيُور، وأنّها تعيشُ في هامش الملل وقد فقدت كل الأمل،
قلقةٌ شديدةُ التودّد، حزينةٌ شديدةُ الانكسار، مُسالمةٌ كثيرةُ الاعتذار،
تستفيقُ على رعْشة البُكاء، ويُغنيها الدّمع عن الأسى، الجلفويّات حرائرَمن
حولها يلاطفنها بحنان، يُعدن لها شيْئا من الأمل، ابتسامةٌ مُبللة بالأسى
مُكفّنة بالآهات، وكم ذرفت من الدموع مُذ ليلة الرّحيل، لتلوّن ظل أبنائها
والحُروف تبعثرت، عبثت بعقلها المسافات، يُفزعُها المساء، تتصنت خلف تلك
التلال تكظُم صمتها، تسمع نداءات استغاثة، تصرخُ خلف رجّة الضيّاء ويغتالها
اللهاثُ، يمامة تلوذُ بأعلى الشّجرة، تتوارى الأطياف قرمزيّة ويهتفُ
القلبُ وهو بالشام مُقيم، تُصوّب قبلاتها لتُربة دِير الزُّور لحصيّاته
الحزينة..لأشجاره الباسقة..لعُشبه..لقطيطات تموء..لنهر الفرات الغاضب..
تتوسّد الانتظار في صُبحها ومسائِها كالنَّورس الحزين، تتوشحُ قِلادة
الصّبرمُذعنة في الانصات إيه..ياشامُ ضيّعُوك..تداعت عنك الأمم تلتهمُك،
تُسفك عرضك ..تستبيحك، جاؤوا بسلاح لنصرتك،ومتى كانوا مناصرين؟ حاصروك
ياشام جوّعوك..شتتوا شملك.. لا جفن اليوم حالمٌ ياشام..ولامن يجمعُ أوراق
العُمر المُبعثرة فيك والأرضُ منهوبة.. من يُلملم الجراح ويُداويها
ياشام..؟استوت واقفة على تلة دامعة العينين منفوشة الشعر تصرخ: كثرت
الطعنات وابتلعتك اللحظات..ولا باليد حيلة.. علّة الفولة في جنبها..
ياشام...ضيعوك..اا
*الجلفة مدينة جزائرية