لؤلؤة لم ترمها يد البحر النزاري
صبراً دمي فقصيدتي الأحلام
و الحبرُ أنتَ و مُفرداتي الشّامُ
*
هذي شوارعُها عروقُكَ فانْسكِبْ
ينبُتْ على جُثثِ السكوتِ كلامُ
*
كمْ أهرقوكَ و لوّنوا بكَ شرَّهُمْ
و المُستبدُّ لظُلمِهِ رسّامُ
*
فاعزفْ صباحكَ للّذينَ توقّدوا
بينَ المواجعِ و المنونُ ظلامُ
*
و اكتُبْ لمجدِكَ نبضتيْنِ لعلّهُ
جرحُ الحكايةِ بالرؤى يلْتامُ
*
قدْ سِلتَ مُرتعِشاً تخُطُّ بطولةً..
ماذا سيقرأُ عنْ هواكَ حُطامُ؟
*
ترنو إليكَ دمشقُ و هْيَ حزينةٌ
سارتْ إلى حدقاتِها الأوهامُ
*
تسقي بكَ الألمَ البريءَ و أنّةً
كيْما يُبرْعَمَ للدّموعِ سلامُ
*
هلْ فيكَ أحمرُ عشقِها؟.. غرقَ الهوى
و البحرُ حربُكَ موجُها الأيّامُ
*
كمْ طفلةٍ وهبتْكَ أخضرَ عُمْرِها
يلهو بدُمْيَتِها أسىً و رُكامُ
*
لا طفلَ تُلهِمُهُ الحياءَ بوَجنةٍ
إلا و تُلهِمُهُ الرّدى الألغامُ
*
فابدأْ طُفولتَكَ الغزيرةَ رُبّما
يخبو الحَقودُ ليَسْتفيقَ هُيامُ
*
و اركُضْ بأهلِكَ في دروبِ كرامةٍ
معشوقةٍ فقلوبُهُمْ أقدامُ
*
أبصرْتَ أغنيَةَ الملاحِمِ دمعةً
خرساءَ في حدَقِ النِّضالِ تنامُ
*
و الآنَ تُبصِرُها انْسِكابَ حقيقةٍ
حيثُ الزنابقُ صارخاتٍ: "يا مو"
*
سِلْ و اشرحِ الأملَ الرهيبَ لخوفهِمْ
فالمجدُ أزهرَ.. أنبتتْهُ سِجامُ
*
سِلْ كالنّدى الحلَبِيِّ يكسِرُ نورُهُ
قيدَ الدُّجى و تُحِبُّهُ الأكمامُ
*
سِلْ لابْنةِ الشّرفِ الشّغوفِ بحُسْنِها
لمّا يشي بلظى الإباءِ لثامُ
*
للمسجدِ الأمويِّ يشمُخُ داعياً
و البسْملاتُ يرُشُّها الإسلامُ
*
للإدلِبِيَّةِ تستعيرُ خُطى المُنى
و الأمنياتُ إلى البهاءِ قِيامُ
*
للّاذِقيّةِ حينَ تنسُجُ عِزّها
تكسو البلادَ و تفخرُ الأعلامُ
*
للنّازحاتِ منَ الأمومةِ بعدما
جفَّ الصِّغارُ.. نُفوسُهُنَّ خِيامُ
*
و الهامساتِ أكُفُّهنَّ كأنّما
بالأبجديَّةِ يُقصفُ الإجرامُ
*
للنازّفاتِ ديارُهُنَّ بثورةٍ
حمراء دافئةِ الضّميرِ تُرامُ
*
و القائلاتِ لنا اللغاتُ فحولةٌ
تنسابُ و الألفُ الشذا و اللّامُ
*
للنّاظراتِ إلى يباسِ أنوثةٍ
و الغيثُ هُنَّ و حُبُّهُنَّ غمامُ
*
و الكاتباتِ وفاءهُنَّ و حِشمةً
عبرَ الخُدودِ و تعجزُ الأقلامُ
*
للزّارعينَ حماسَهُمْ مُتجذِّراً
شُمّ المشاعرِ بالتحرُّرِ هاموا
*
و المُطفئينَ كآبةً و مُصيبةً
صبّوا الشهامةَ.. عنْ هوانٍ صاموا
*
للثّائرينَ بنوا غدا.. هدموا الخنا..
فاستَنبتوا وطناً لهُمْ و أقاموا
*
و المُخرِجينَ من الجوارحِ ليلَها
و المُشعِلينَ نداءَهُمْ ما داموا
*
للعازفينَ جراحَهُمْ و همومَهُمْ
و المُشتهى.. مخروا الخطوبَ و عاموا
*
و الحاضنينَ تُرابَهُمْ بشهادةٍ
أنْ لا جهادَ سواكَ يا إقدامُ
*
يا أيُّها الدمُ سِلْ و سَلْ طُرُقَ الوغى
عنْ ليلَكٍ ذرفَ الأنينَ يُلامُ
*
عنْ لوحِ مدرسةٍ يحنُّ لوجههِ
طبشورُ ميْسَ و لفظُها الإلهامُ
*
عنْ حارةٍ ذبُلتْ بها قِططٌ و لمْ
يوقظْ نوافذَها الصُّموتَ حَمامُ
*
عنْ عاشقٍ سرقتْهُ قنبُلةٌ و ما
مسّتْ أصابعَ عشقهِ ريهامُ
*
عنْ شاعرينِ و صيحةٍ كتبتْهُما
ليتَ القصائدَ خالدٌ و هِشامُ
*
و اسألْ مُعاويةً و روضَ ذكائهِ
عمّا تقولُ لنزفِها الأعوامُ
*
و البُحتُريَّ يرى سلاسلَ فِكرهِ
هل صُفِّدتْ خُطبٌ بها وَ طغامُ؟
*
و اسألْ نزارَ و ما بنتْهُ حروفُهُ
كيفَ الشقاءُ لشِعرهِ هدّامُ؟
*
درْعا تُجيبُكَ أنَّ أهلَكَ طيبتي
جادوا بهمْ.. بكَ.. بالحياةِ.. كِرامُ
*
يسخونَ باللحظاتِ و هْيَ قليلة
بيضاء يحسدُ لونها الإعدامُ
*
للموتِ في جسدِ النساءِ نصيبُهُ
أرواحُهُنَّ شرابُهُ و طعامُ
*
ما ماتَ ضوءُ نُجَيْمَتَيْنِ بأُفْقِهِ
إلا و أجهشَ بالرضا حاخامُ
*
تذوي الخصالُ بأرضِ سفكِكَ إنّما
عيشُ الشجاعةِ للطُّغاةِ حِمامُ
*
منْ حِمْصَ تخرُجُ نهرَ ذاكرةٍ فهلْ
ينمو الغناءُ و تعبقُ الأنغامُ؟
*
سِرْ هازئاً بخناجرِ العتباتِ في
فوضى العُروبةِ لمْ ينَلْكَ نِظامُ
*
خَضِّبْ يداً حلبيّةً عشقتْ يداً
يُفشي بدفء سُرورها الإبهامُ
*
لا تلتَفِتْ لصداكَ مزّقَهُ العِدا
إذْ رقّعتْ ولَهَ الشهيدِ شآمُ
*
و انْظُرْ إلى وطنٍ يشيمُ بوجدهِ
مجداً تُموسِقُ مِسكَهُ الآرامُ
*
طينٍ و يعطسُ طارداً قلَقاً.. لهُ
مِنْ شهقَتَيْهِ حرارةٌ و زُكامُ
*
أمٍّ تخيطُ حنانَها و تصيحُ في
وجهِ الشِّتاءَ لتُهزمَ الآلامُ
*
أُختٍ تُدثِّرُ بابْتسامتِها أخاً
مُذْ حاصرتْهُ بُرودةٌ و سِقامُ
*
أوْ جدّةٍ تهِبُ الأصالةَ شكلَها..
يأوي إلى قِصصٍ لها أيتامُ
*
أو خالةٍ بيديْنِ تعجنُ صبرَها
كيْ يخبزَ الفرحَ الشهيَّ وئامُ
*
أو عمَّةٍ تئِدُ الظّنونَ جُفونُها..
أهدابُها ليَقينِها إضرامُ
*
يا ابنَ القُليْبِ و كمْ لعبتَ معَ الجوى
حتّى انسكبتَ و شرّدتْكَ سِهامُ
*
قوسُ المنيّةِ لمْ يزَلْ مُتربِّصاً
و التّرّهاتُ يلوكُها الحُكّامُ
*
و الوقتُ مثلك نازفٌ مُتضرِّعٌ
يُذكي الدعاءَ و لا يذوبُ خِصامُ
*
قِفْ أحمرَ النّظراتِ تُوقدُ نخوةً..
بعضُ الأسودِ زئيرُها إظلامُ
*
و اقطعْ براثِنَها بِهِمّةِ ثائرٍ
رشّاشُهُ لبني الوراءِ أمامُ
*
و اسمعْ بداخلِكَ المدى مُتنبّياً
ما للضميرِ بخائنٍ إيلامُ
*
و ارفعْ شقائقَكَ البريئةَ باسِماً
يُرشدْ غرامَكُما قطاً و يَمامُ
*
الحُبُّ أوردةٌ تضُخُّكَ للعُلا
و الرّاحلونَ بعزّهمْ أجرامُ
*
كُنْ ضوءهُمْ و كُنِ امتدادَ حُضورِهمْ..
لا ذِكرياتُكَ بالوداعِ تُضامُ
*
كُنْ رعْشتيْنِ شفيفتَيْنِ لِتُربةٍ
داسَ الإرادةَ فوقها الإرغامُ
*
كُنْ للسّفرْجلةِ الجَموحِ صهيلَها
يسْقُطْ سِياطُ مذلّةٍ و لِجامُ
*
كُنْ همسَ زنبقةٍ و تمتَمَةَ الثرى..
تعويذَتيْنِ ليُعشِبَ الإنعامُ
*
كُنْ كبرياءَكَ و اشْتهاءَكَ طالما
أرخى بنصرِكَ للجُروحِ خِتامُ
*
الآنَ تنتقِمُ الدماءُ لآهِها..
مكسورةٌ بجُنونِها الأصنامُ.
///////