يحق لنا أن نتساءل لماذا وصلت الأمة الإسلامية إلى هذا المنحدر الهابط، وإلى الدرك الأسفل بين الأمم، ولماذا رضيت باستعباد الطغاة والمستبدين مدى قرن من الزمان، ولماذا استمرأت الذل والهوان، وهي الأمة المؤمنة بالله العزيز.. الأمة التي يرعاها الوحي، وترشدها السنة، ويبصرها تاريخها المجيد..
وإذا ما أردنا الجواب على تساؤلاتنا فلنستنطق الطغرائي ليرشدنا إلى الآفة التي تورطنا بها، يقول:
حب السلامة يثني هم صاحبه = عن المعالي ويغري المرء بالكسل
هذا هو الداء المهلك: إيثار السلامة الذي هو عين التهلكة، إيثار السلامة الذي يهتف للتثاقل إلى الأرض والرضا بالدون والسفساف.. روى الحاكم والطبراني عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [إن الله كريم يحب الكرم، ويحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها]. وفي رواية: ويحب معالي الأمور.
قال الهيثمي: رجاله ثقات، وصححه السيوطي والألباني. (السفساف: الأمر الحقير والرديء من كل شيء، وهو ضد المعالي والمكارم، وأصله: ما يطير من غبار الدقيق إذا نخل والتراب الذي أثير).
حقاً إنها ضريبة هائلة دفعتها أمتنا، أُشربت حب السلامة فكلّت عزيمتها، وانحنت همتها وقعدت عن طلب المعالي، فأورثها الكسل والتراخي والهبوط.
إن نفساً ترتضي الإسلام دينا..
ثم ترضى بعده أن تستكينا
أو ترى الإسلام في أرض مهينا
..ثم تهوى العيش نفسٌ لن تكونا
في عداد المسلمين العظماء
إي والله لقد وقعنا في التهلكة، حيث انتقصت أراضي المسلمين من أطرافها، وتنمرت الجرذان واستأسدت الحمير، واستنسر البُغاث، ونعقت غربان الشؤم، والأمة في غالبيتها تهوى العيش على مبدأ طرفة بن العبد حين سُئل: ما أطيب عيش الدنيا؟ فقال: مطعم شهي، وملبس دفي، ومركب وطي.
كالعير ليس له بشيء همة *** إلا اقتضاب الحب حول المذود
أبو أيوب يصحح ويصوّب ويسدد:
روى الترمذي عن أسلم أبي عمران التجيبي قال: كنا بأرض الروم فأخرجوا إلينا صفاً عظيماً من الروم، فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى الجماعة فضالة بن عبيد، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم، فصاح الناس وقالوا: سبحان الله؛ يلقي بيديه إلى التهلكة! فقام أبو أيوب الأنصاري فقال: يا أيها الناس، إنكم تتأوّلون هذه الآية هذا التأويل، وإنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما أعز الله الإسلام وكثر ناصروه، فقال بعضنا لبعض سراً دون رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أموالنا قد ضاعت، وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم يردُّ علينا ما قلنا: {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو.
فما زال أبو أيوب شاخصاً في سبيل الله حتى دُفن بأرض الروم.
أقول: وما زال ضريح أبو أيوب الأنصاري شاخصاً شامخاً يلوح للناظرين نحو المعالي، ويعلمهم معاني العزة، فلله درك أبا أيوب.
وليس لمن لم يركب الهول بغية *** وليس لركب حطه الله حامل
ومن أجل صعود القمة صاح أبو الأعلى المودودي صيحة قد تبدو مزعجة لكنها موقظة، فقال في تذكرته للدعاة: من دواعي الأسف أن الذين عندهم نصيب من القوى الفكرية والقلبية من النوع الأعلى من أفراد أمتنا هم مولعون بإحراز الترقيات الدنيوية، جاهدون في سبيلها ليل نهار، ولا يقبلون في السوق إلا على من يساومهم بأثمان مرتفعة، وما بلغوا من تعلقهم بالدعوة إلى الاستعداد للتضحية في سبيلها بمنافعهم، بل ولا بمجرد إمكانيات منافعهم. فإذا كنتم ترجون، معتمدين على هذه العاطفة الباردة للتضحية، أن تتغلبوا في الحرب على أولئك المفسدين في الأرض الذين يضحون بالملايين من الجنيهات كل يوم في سبيل غاياتهم الباطلة، فما ذلك إلا حماقة.
وعلى نهجه ينهض الأعظمي يستحث الهمم:
وخلِّ الهوينا للضعيف ولا تكن *** نؤوماً فإن الحزم ليس بنائم
وأصدق كلمة قالها أبو بكر رضي الله عنه لخالد وهو يبعثه للفتوحات الإسلامية: احرص على الموت توهب لك الحياة في الموات.
وعلى سنتهم ونهجهم يصرخ شيخ الثورات الفقيه المجاهد يوسف القرضاوي
واخلع ثياب الأسى واليأس مرتدياً *** ثوب الجهاد نشيطاً غير كسلان
وأتقن الموت فناً كيف تجرعه *** إن لم يكن منه بد غير خشيان
ونعرِّج على البنّاء العبقري الملهم حسن البنا رحمه الله نغترف من عبقريته ونورانية قلبه وأضواء كلماته وبروق حروفه: أن تستصحب دائماً نية الجهاد، وحب الشهادة، وأن تستعد لذلك ما وسعك الاستعداد، وأن تعتبر نفسك دائماً جندياً في الثكنة تنتظر الأمر.
هؤلاء هم الأحرار الأبرار نفحاتهم تحيي الرمم، وهمّاتهم تعيد الروح للأمم على حد قول إقبال:
همم الأحرار تحيي الرمما *** نفحة الأبرار تحيي الأُمما
وإذا ما أردنا الجواب على تساؤلاتنا فلنستنطق الطغرائي ليرشدنا إلى الآفة التي تورطنا بها، يقول:
حب السلامة يثني هم صاحبه = عن المعالي ويغري المرء بالكسل
هذا هو الداء المهلك: إيثار السلامة الذي هو عين التهلكة، إيثار السلامة الذي يهتف للتثاقل إلى الأرض والرضا بالدون والسفساف.. روى الحاكم والطبراني عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [إن الله كريم يحب الكرم، ويحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها]. وفي رواية: ويحب معالي الأمور.
قال الهيثمي: رجاله ثقات، وصححه السيوطي والألباني. (السفساف: الأمر الحقير والرديء من كل شيء، وهو ضد المعالي والمكارم، وأصله: ما يطير من غبار الدقيق إذا نخل والتراب الذي أثير).
حقاً إنها ضريبة هائلة دفعتها أمتنا، أُشربت حب السلامة فكلّت عزيمتها، وانحنت همتها وقعدت عن طلب المعالي، فأورثها الكسل والتراخي والهبوط.
إن نفساً ترتضي الإسلام دينا..
ثم ترضى بعده أن تستكينا
أو ترى الإسلام في أرض مهينا
..ثم تهوى العيش نفسٌ لن تكونا
في عداد المسلمين العظماء
إي والله لقد وقعنا في التهلكة، حيث انتقصت أراضي المسلمين من أطرافها، وتنمرت الجرذان واستأسدت الحمير، واستنسر البُغاث، ونعقت غربان الشؤم، والأمة في غالبيتها تهوى العيش على مبدأ طرفة بن العبد حين سُئل: ما أطيب عيش الدنيا؟ فقال: مطعم شهي، وملبس دفي، ومركب وطي.
كالعير ليس له بشيء همة *** إلا اقتضاب الحب حول المذود
أبو أيوب يصحح ويصوّب ويسدد:
روى الترمذي عن أسلم أبي عمران التجيبي قال: كنا بأرض الروم فأخرجوا إلينا صفاً عظيماً من الروم، فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى الجماعة فضالة بن عبيد، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم، فصاح الناس وقالوا: سبحان الله؛ يلقي بيديه إلى التهلكة! فقام أبو أيوب الأنصاري فقال: يا أيها الناس، إنكم تتأوّلون هذه الآية هذا التأويل، وإنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما أعز الله الإسلام وكثر ناصروه، فقال بعضنا لبعض سراً دون رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أموالنا قد ضاعت، وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم يردُّ علينا ما قلنا: {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو.
فما زال أبو أيوب شاخصاً في سبيل الله حتى دُفن بأرض الروم.
أقول: وما زال ضريح أبو أيوب الأنصاري شاخصاً شامخاً يلوح للناظرين نحو المعالي، ويعلمهم معاني العزة، فلله درك أبا أيوب.
وليس لمن لم يركب الهول بغية *** وليس لركب حطه الله حامل
ومن أجل صعود القمة صاح أبو الأعلى المودودي صيحة قد تبدو مزعجة لكنها موقظة، فقال في تذكرته للدعاة: من دواعي الأسف أن الذين عندهم نصيب من القوى الفكرية والقلبية من النوع الأعلى من أفراد أمتنا هم مولعون بإحراز الترقيات الدنيوية، جاهدون في سبيلها ليل نهار، ولا يقبلون في السوق إلا على من يساومهم بأثمان مرتفعة، وما بلغوا من تعلقهم بالدعوة إلى الاستعداد للتضحية في سبيلها بمنافعهم، بل ولا بمجرد إمكانيات منافعهم. فإذا كنتم ترجون، معتمدين على هذه العاطفة الباردة للتضحية، أن تتغلبوا في الحرب على أولئك المفسدين في الأرض الذين يضحون بالملايين من الجنيهات كل يوم في سبيل غاياتهم الباطلة، فما ذلك إلا حماقة.
وعلى نهجه ينهض الأعظمي يستحث الهمم:
وخلِّ الهوينا للضعيف ولا تكن *** نؤوماً فإن الحزم ليس بنائم
وأصدق كلمة قالها أبو بكر رضي الله عنه لخالد وهو يبعثه للفتوحات الإسلامية: احرص على الموت توهب لك الحياة في الموات.
وعلى سنتهم ونهجهم يصرخ شيخ الثورات الفقيه المجاهد يوسف القرضاوي
واخلع ثياب الأسى واليأس مرتدياً *** ثوب الجهاد نشيطاً غير كسلان
وأتقن الموت فناً كيف تجرعه *** إن لم يكن منه بد غير خشيان
ونعرِّج على البنّاء العبقري الملهم حسن البنا رحمه الله نغترف من عبقريته ونورانية قلبه وأضواء كلماته وبروق حروفه: أن تستصحب دائماً نية الجهاد، وحب الشهادة، وأن تستعد لذلك ما وسعك الاستعداد، وأن تعتبر نفسك دائماً جندياً في الثكنة تنتظر الأمر.
هؤلاء هم الأحرار الأبرار نفحاتهم تحيي الرمم، وهمّاتهم تعيد الروح للأمم على حد قول إقبال:
همم الأحرار تحيي الرمما *** نفحة الأبرار تحيي الأُمما