اليهود على عادتهم لا يروق لهم ما عليه المسلمون من إيمان وهدى، بل يسعون دوماً إلى النيل منهم، والتشكيك في عقائدهم، وهذا ديدنهم على مر العصور. وقد كان من أمرهم في عهده صلى الله عليه وسلم أن استخرجوا حيلة في تشكيك ضعفة المسلمين في صحة الإسلام؛ ومن أجل هذا الحدث نزل قوله عز وجل: {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون} (آل عمران:72).
ذكر المفسرون أكثر من رواية في سبب نزول هذه الآية، حاصلها ما يلي:
روى الواحدي عن السدي، قال: تواطأ اثنا عشر حبراً من يهود خيبر، وقال بعضهم لبعض: ادخلوا في دين محمد أول النهار باللسان دون الاعتقاد، واكفروا به في آخر النهار، وقولوا: إنا نظرنا في كتبنا، وشاورنا علماءنا، فوجدنا محمداً ليس بذلك، وظهر لنا كذبه وبطلان دينه، فإذا فعلتم ذلك، شك أصحابه في دينهم، وقالوا: إنهم أهل الكتاب، وهم أعلم به منا، فيرجعون عن دينهم إلى دينكم، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وأخبر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. وقريب من رواية الواحدي ما رواه الطبري عن السدي أيضاً.
وروى ابن إسحق عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال عبد الله بن الصيف، وعدي بن زيد، والحارث بن عوف بعضهم لبعض: تعالوا نؤمن بما أنزل الله على محمد وأصحابه غدوة، ونكفر به عشية؛ حتى نلبِّس عليهم دينهم لعلهم يصنعون كما نصنع، فيرجعون عن دينهم، فأنزل الله فيهم: {يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل} (آل عمران:71) إلى قوله: {واسع عليم} (آل عمران:73).
وروي عن مجاهد وغيره، قال: هذا في شأن القبلة لما صُرفت إلى الكعبة، شق ذلك على اليهود؛ لمخالفتهم، قال كعب بن الأشرف وأصحابه: آمنوا بالذي أنزل على محمد من أمر الكعبة، وصلُّوا إليها أول النهار، ثم اكفروا بالكعبة آخر النهار، وارجعوا إلى قبلتكم الصخرة، لعلهم يقولون: هؤلاء أهل الكتاب، وهم أعلم منا، فربما يرجعون إلى قبلتنا، فحذر الله تعالى نبيه مكر هؤلاء، وأطلعه على سرهم، وأنزل: {وقالت طائفة من أهل الكتاب} الآية.
وقال ابن عباس رضي الله عنه: نزلت الآية؛ لأن اليهود ذهبت إلى المكر بالمؤمنين، فصلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، ثم رجعوا آخر النهار، فصلوا صلاتهم؛ ليرى الناس أنهم بدت لهم منه ضلالة، بعد أن كانوا اتبعوه.
ومدار هذه الروايات على أمور ثلاثة:
أحدها: دعوة أحبار اليهود إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم في أول النهار، والكفر به في آخر النهار. وهذا ما أفادته رواية الواحدي والطبري عن السدي، ورواية ابن إسحاق عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ثانياً: دعوة أحبار اليهود الناس إلى الصلاة إلى القبلة المكية أول النهار وإلى الصلاة إلى بيت المقدس آخر النهار. وهذا ما أفادته رواية مجاهد.
ثالثاً: دعوة أحبار اليهود الناس إلى الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم أول النهار، ودعوتهم إلى ترك الصلاة معه آخر النهار. وهذا ما أفادته رواية ابن عباس رضي الله عنهما.
وهذه الروايات بما أفادته من هذه الأمور الثلاثة لا تعارض بينها؛ إذ هي تدل على سلوكيات متعددة قام بها أحبار اليهود؛ لتحقيق غرض واحد، هو تشكيك ضعفة المسلمين بدينهم، ودعوتهم إلى ترك هذا الدين؛ وذلك بأن يظهروا تصديق ما ينـزل على محمد صلى الله عليه وسلم من الشرائع في بعض الأوقات، ثم يظهروا بعد ذلك تكذيبه، فإن الناس متى شاهدوا هذا التكذيب، قالوا: هذا التكذيب ليس لأجل الحسد والعناد، وإلا لما آمنوا به في أول الأمر، وإذا لم يكن هذا التكذيب لأجل الحسد والعناد، وجب أن يكون ذلك لأجل أنهم أهل الكتاب، وقد تفكروا في أمر محمد، واستقصوا في البحث عن دلائل نبوته، فتبين لهم بعد التأمل، والبحث أنه كذاب، فيصير هذا الطريق شبهة لضعفة المسلمين في صحة نبوته.
وقد قال ابن كثير بعد أن ساق الرواية الواردة في سبب نزول هذه الآية: هذه مكيدة أرادوها ليلبِّسوا على الضعفاء من الناس أمر دينهم، وهو أنهم اشتوروا بينهم، أن يظهروا الإيمان أول النهار، ويصلُّوا مع المسلمين صلاة الصبح، فإذا جاء آخر النهار، ارتدوا إلى دينهم؛ ليقول الجهلة من الناس: إنما ردهم إلى دينهم اطلاعهم على نقيصة وعيب في دين المسلمين، ولهذا قالوا: {لعلهم يرجعون}، أي: يرجعون عن دين محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد أتبع سبحانه هذه الآية آية أخرى، هي قوله عز وجل: {قل إن الهدى هدى الله} (آل عمران:73)، بيَّن فيها سبحانه أنه هو الذي يهدي قلوب المؤمنين إلى الإيمان، بما أنـزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الآيات البينات، والدلائل القاطعات، والحجج الواضحات.
والذي ينبغي أن يذكر هنا، أن على المؤمنين في كل عصر ومصر أن يكونوا على وعي مما يراد بهم، وعلى بصيرة مما يكاد لهم، فيحتاطوا لأمر دينهم، ويأخذوا بالأسباب التي تجنبهم مكائد أعدائهم؛ إذ الأمر اليقين في هذا السياق ما أخبر به سبحانه بقوله: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} (البقرة:120). وقوله سبحانه: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا} (البقرة:217).
ذكر المفسرون أكثر من رواية في سبب نزول هذه الآية، حاصلها ما يلي:
روى الواحدي عن السدي، قال: تواطأ اثنا عشر حبراً من يهود خيبر، وقال بعضهم لبعض: ادخلوا في دين محمد أول النهار باللسان دون الاعتقاد، واكفروا به في آخر النهار، وقولوا: إنا نظرنا في كتبنا، وشاورنا علماءنا، فوجدنا محمداً ليس بذلك، وظهر لنا كذبه وبطلان دينه، فإذا فعلتم ذلك، شك أصحابه في دينهم، وقالوا: إنهم أهل الكتاب، وهم أعلم به منا، فيرجعون عن دينهم إلى دينكم، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وأخبر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. وقريب من رواية الواحدي ما رواه الطبري عن السدي أيضاً.
وروى ابن إسحق عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال عبد الله بن الصيف، وعدي بن زيد، والحارث بن عوف بعضهم لبعض: تعالوا نؤمن بما أنزل الله على محمد وأصحابه غدوة، ونكفر به عشية؛ حتى نلبِّس عليهم دينهم لعلهم يصنعون كما نصنع، فيرجعون عن دينهم، فأنزل الله فيهم: {يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل} (آل عمران:71) إلى قوله: {واسع عليم} (آل عمران:73).
وروي عن مجاهد وغيره، قال: هذا في شأن القبلة لما صُرفت إلى الكعبة، شق ذلك على اليهود؛ لمخالفتهم، قال كعب بن الأشرف وأصحابه: آمنوا بالذي أنزل على محمد من أمر الكعبة، وصلُّوا إليها أول النهار، ثم اكفروا بالكعبة آخر النهار، وارجعوا إلى قبلتكم الصخرة، لعلهم يقولون: هؤلاء أهل الكتاب، وهم أعلم منا، فربما يرجعون إلى قبلتنا، فحذر الله تعالى نبيه مكر هؤلاء، وأطلعه على سرهم، وأنزل: {وقالت طائفة من أهل الكتاب} الآية.
وقال ابن عباس رضي الله عنه: نزلت الآية؛ لأن اليهود ذهبت إلى المكر بالمؤمنين، فصلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، ثم رجعوا آخر النهار، فصلوا صلاتهم؛ ليرى الناس أنهم بدت لهم منه ضلالة، بعد أن كانوا اتبعوه.
ومدار هذه الروايات على أمور ثلاثة:
أحدها: دعوة أحبار اليهود إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم في أول النهار، والكفر به في آخر النهار. وهذا ما أفادته رواية الواحدي والطبري عن السدي، ورواية ابن إسحاق عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ثانياً: دعوة أحبار اليهود الناس إلى الصلاة إلى القبلة المكية أول النهار وإلى الصلاة إلى بيت المقدس آخر النهار. وهذا ما أفادته رواية مجاهد.
ثالثاً: دعوة أحبار اليهود الناس إلى الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم أول النهار، ودعوتهم إلى ترك الصلاة معه آخر النهار. وهذا ما أفادته رواية ابن عباس رضي الله عنهما.
وهذه الروايات بما أفادته من هذه الأمور الثلاثة لا تعارض بينها؛ إذ هي تدل على سلوكيات متعددة قام بها أحبار اليهود؛ لتحقيق غرض واحد، هو تشكيك ضعفة المسلمين بدينهم، ودعوتهم إلى ترك هذا الدين؛ وذلك بأن يظهروا تصديق ما ينـزل على محمد صلى الله عليه وسلم من الشرائع في بعض الأوقات، ثم يظهروا بعد ذلك تكذيبه، فإن الناس متى شاهدوا هذا التكذيب، قالوا: هذا التكذيب ليس لأجل الحسد والعناد، وإلا لما آمنوا به في أول الأمر، وإذا لم يكن هذا التكذيب لأجل الحسد والعناد، وجب أن يكون ذلك لأجل أنهم أهل الكتاب، وقد تفكروا في أمر محمد، واستقصوا في البحث عن دلائل نبوته، فتبين لهم بعد التأمل، والبحث أنه كذاب، فيصير هذا الطريق شبهة لضعفة المسلمين في صحة نبوته.
وقد قال ابن كثير بعد أن ساق الرواية الواردة في سبب نزول هذه الآية: هذه مكيدة أرادوها ليلبِّسوا على الضعفاء من الناس أمر دينهم، وهو أنهم اشتوروا بينهم، أن يظهروا الإيمان أول النهار، ويصلُّوا مع المسلمين صلاة الصبح، فإذا جاء آخر النهار، ارتدوا إلى دينهم؛ ليقول الجهلة من الناس: إنما ردهم إلى دينهم اطلاعهم على نقيصة وعيب في دين المسلمين، ولهذا قالوا: {لعلهم يرجعون}، أي: يرجعون عن دين محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد أتبع سبحانه هذه الآية آية أخرى، هي قوله عز وجل: {قل إن الهدى هدى الله} (آل عمران:73)، بيَّن فيها سبحانه أنه هو الذي يهدي قلوب المؤمنين إلى الإيمان، بما أنـزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الآيات البينات، والدلائل القاطعات، والحجج الواضحات.
والذي ينبغي أن يذكر هنا، أن على المؤمنين في كل عصر ومصر أن يكونوا على وعي مما يراد بهم، وعلى بصيرة مما يكاد لهم، فيحتاطوا لأمر دينهم، ويأخذوا بالأسباب التي تجنبهم مكائد أعدائهم؛ إذ الأمر اليقين في هذا السياق ما أخبر به سبحانه بقوله: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} (البقرة:120). وقوله سبحانه: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا} (البقرة:217).