أنت العيد.. يا وطني الحبيب
أنت العيد يا وطني الحبيب.. حلفت بترابك
الغالي.. بسمائك الشامخة.. بهوائك.. بمائك.. بأزاهيرك.. بأطيارك.. وبكل ما
ينتمي إليك.. لا عيد إلا يوم خلاصك وتحريرك.. يوم تشرق على ربوعك شمس
الحرية التي لا تغيب شمسها.. يوم يعود لك بهاؤك الذي اغتالته غربان الليل..
يوم تعود أطيارك تصدح فوق أفانينك اليانعة.. يوم تزهو أزاهيرك.. تعطّر
المدى بأريجها الفوّاح.. يومها تكون أنت العيد.. ولا عيد إلاك أنت.
أنت العيد يا وطني الحبيب. مغناة أنت على فم الزمان. تشدوها الأطيار
للأطيار جيلا فجيلا. موجة عطر أنت تنفحها الأزاهير عبقا يسافر في ارتعاشات
نسائم ولدت في أحضان آصالك وأسحارك. شلال ألق أنت يلون المدى إباء وكِبرا.
قصيدة عشق أنت يغازلها كل شاعر عساه يقطف بعض عناقيدها.. عساه يستمطر وحي
مدادها على صفحات أوراقه البيضاء.. فتخضوضر وتزهر وتضيء الفضاء شعرا وحبا
بين يديك.
أنت العيد يا وطني الحبيب.. ها أنت تصحو مرة أخرى على صباح عيد التضحية
والفداء وكم صحت عيناك من قبل على مدار الأيام والسنين على مثل هذا
الصباح.. ها أنت تصحو تفتح ذراعيك تتنسم عبق نسائم الحرية المعطرة بأنفاس
أجيال من عشاقك اصطفوا جيلا فجيلا يقدمون لك فروض التضحية والفداء.
أنت العيد يا وطني الحبيب.. أيها الأب الحنون والأم الرؤوم.. في أحضانك
وبين ذراعيك وتحت ظلال أفياء حبك الغامر هذا المدى.. يولد أبناؤك يلوّن
عيونهم شوق لرؤيتك.. ترفل في عباءة المجد والحرية.. يخفق قلوبهم عشقا لا
ينطفىء ضرامه رغم أعاصير الأيام السوداء.. في أيديهم تتهادى مناديل بلون
ثراك وأطيارك وأزاهيرك وسمائك ونجومك وأقمارك.. في أشواقهم حرارة شمسك التي
لا تعرف الإنطفاء والغروب.
أنت العيد يا وطني الحبيب.. أنشودة إجلال وأغرودة إكبار نصوغهما في هذا
الصباح من عناقيد أبجدية جراحات زيتونك الدامي.. من أريج نسائم مغانيك
الموجعة.. من بوح أطيارك الجريحة.. من فوح أزاهيرك الدامعة العيون.. من
أشجان أيامك ولياليك الملونة بالكبرياء.. من آهات نجومك وأقمارك المسافرات
في مدارات علاك.. من آلام إنسانك الساهر ما نام على ذل ولا هوان حتى يطلع
صبحك المجنح بالحرية والخلاص.. حتى تشرق شمسك فوق رباك الطاهرة.. تلوّن هذا
المدى الظامىء العيون للخلاص والحرية.
أنت العيد يا وطني الحبيب.. أيها الواعد الموعود.. ما زلت ملهما لأبنائك
الميامين المنزرعين بين ذراعيك كصخور جبالك الشماء.. واعدا باللقاء الأخير
على ثراك الطهور.. موعودا بأسراب طيورك تعود من منفاها إلى عشك الدافئ
الحنون.. وأسراب شامخة الجبين خلف القضبان.. شاءت فلا بد لقيدها أن ينكسر
يوم تشرق شمس نهارات الحرية.. وأجيال أسراب في رحم الغيب سـتولد في أحضانك
كما ينبت الربيع ويخضوضر بعد ليل خريف وشتاء طويل.
أنت العيد يا وطني الحبيب. فارس أنت صلبوك على جدران الجحود والنكران.
لا تترجل عن صهوة كبريائك. أغمضت عينيك قليلا لتصحو مرة أخرى على صباحك
الأخضر يغتسل بأنداء الحرية.. ويرفل بعباءات المجد والإنتصار.. أنت لا تموت
يا وطني.. حين ترحل الشمس عن آفاقك تدخل شمس أخرى إلى مدارك.. تضيء فضاءات
وجودك بوهج سنا عاشق جديد ولد في أحضان الإنتماء إليك عشقا ووجدا.
أنت العيد يا وطني الحبيب.. سلام عليك. سلام على كل ذرة من ترابك
الطهور.. سلام على أنفاسك وهي تطفىء نيران غربانهم الحاقدة كلما أشعلوها..
وكلما أمطروها عليك نزلت بردا وسلاما.. سلام على شهدائك الأطهار وأسراك
الأبرار.. وقبلة بلسم على كل جرح يحمله كل عاشق من عشاقك الأخيار.. سلام
عليك يا وطني.. أنت آسر لا أسير.. إنهم هم وحدهم أسراك.. لن تهنأ لهم حياة
ما دمت في القيد يا شامخ الهامة لا تنكسر لك قامة.. لن تشرق لهم شمس ما دمت
أنت جريح الجسد.. حاشا أن تنال الجراح من روحك وكبريائك.
سلام عليك أيها الوطن الساكن في وجدان إنسانك.. والمسكون فيك هذا
الإنسان.. مازال عشاقك يدخلون محرابك أفواجا أفواجا يرتلون لك أنشودة
الحرية.. هاماتهم ترنو إلى السماء بكبرياء، تتوج جبين زمانك بغار التمرد..
ترفع الكؤوس أنخاب انتصار.. تقيم أعراسا لعيد حريتك الموعودة به الأجيال..
يومها تسترجع الأعياد لونها المضمخ بالحرية.. المتفيء ظلال التحرير والخلاص
والمجد والفخار.