(الله اكبر..الله اكبر..اشهد ان لااله الا الله.....)كان صوت اذان الفجر يصل الى مسامعي..احدق وسط الظلام..آلام متقطعةاسفل البطن طردت النوم من عيني..تشتد حينا..و تفتر حينا آخر..اتحسس بطني المنتفخ..اتساءل ان كانت هذه اولى الام المخاض..فلا اعرف جوابا..
نهضت متثاقلة الى الحمام لاتوضا..لكن كان هناك شيئا ما..شعرت بخوف يملا جوانحي..فكرت ان انزل السلالم لاستشير حماتي المقيمة بالطابق السفلي..لكني عدلت عن الامر..لاداعي لان ازعج احدا الان..فالوقت مازال مبكرا عن اي ازعاج..
عدت الى غرفتي..لاادري لماذا حاولت عيناي ان تهرب من صورة زفافنا المعلقة على الحائط..لكن بصري هرب اليها بشوق..مازالت كما وضعتها بيدك..اتامل ابتسامتك..تالق نظراتك..فتنغرز ذكراك في قلبي خنجرا من الحنين و العذاب..
كيف انفلت مني و انا اشدك الي بكل قوة؟ كيف انزلقت مني؟ كيف رحلت و تركتني اتجرع الالم و الوحدة و الضياع؟
اليوم افتقدك بصورة مضاعفة..اليوم سينزف الجرح اكثر..و سيبقى هكذا مفتوحا..تنبشه الذكرى..و يفجره الرحيل..
اليوم كنا ننتظره لنحتفل به معا..وهاهو ياتي بدونك..انه الجحيم ان احتاج اليك بهذه القوة فلا اجدك..انه العقاب ان افتقدك و انا في امس الحاجة اليك..
و ذاكرتي القاسية لا تنسى شيئا.. مازالت تضم ذكرياتنا الصغيرة..وتحنو عليها من ريح الوجع..
مازلت اذكر طعم آخر كاس قهوة شربته من يدي..مازلت ارى ايتسامتك و انت تودعني على الباب و الاشراقة في عينيك..
و توصيني..توصيني ان لا اتعب من اجل ابننا الذي ينام في احشائي.. ابننا الذي اشتريت ملابسه و لعبه منذ ان اظهرت نتائج التحليل اني حامل.. كنت تتخيله وسط هذه الثياب..فتضحك..و تغمر قلبك الفرحة و السعادة..
مازلت اذكر صوت خطواتك و انت تنزل السلالم..بعدها..عم السكون..وساد الصمت..الا من اتصال هاتفي اخترق الصدر..و اغتال الفرحة في قلبي..و قتل كل الاحلام الجميلة التي كنا نرسمها معا..
رحلت عني نتيجة حادثة سير حمقاء..فرحلت معك كل روعة في الحياة..و رحل قلبي معك..و تساقطت اوراقي كشجرة هرمة في خريف مبكر..
اليوم..و منذ رحيلك..اصبحت مجرد رعشة في العتمة..مجرد حبر غامق تاه منه ورق الكتابة..
مازلت لم استفق بعد من وهم عودتك المستحيلة..مازلت انتظر كل يوم ان اسمع طرقا على الباب..مازلت انتظر سماع صوتك يناديني..انتظر وقع خطواتك تقترب مني..و انتظر و انتظر..و يطول انتظاري..وتتمزق اقنعتي..و تهترئ اشرعة الحلم و الامل..و اتجرع كاس الياس قطرات..
اتذكرك..اتذكر همساتك..لمسات حبك..طعم حنانك..وارغب في البكاء..لكن دموعي تتحجر..و في كل مكان ضمنا معا..يستقبلني دوي الصمت الرهيب..و الوحدة المميتة..
و اسلم اسلحتي للغياب و الانكسار..و تنهار قواي..و اعلن انهزامي..
رحلت معك كل فرحة..و كل حلم..ولم يتبقى سوى ظلك ساكنا اركان قلبي..وزوايا ذاكرتي..وحبك ساريا تحت جلدي..و بين اضلعي..عنيدا لا يتلاشى..
اليوم نسيت الم المخاض..لان الم غيابك فاق كل الم..و تجاوز كل وجع..
حتى الصباح اتى متثاقلا..بطيئا..واصوات الاهل حولي يشجعونني..و يطمئنونني بات مزعجا..صار صوتهم عددا هائلا من المطارق تهوي على راسي..و نظرات الفرحة في اعينهم تغتالني اكثر..وتزيد عذابي..
واي فرحة في الدنيا توازي وجودك قربي في لحظتي هذه؟ و اي شيئ في الدنيا توازي قيمته وقع صوتك يناديني..وحنانك يرعاني..
بدا المستشفى باردا..كئيبا..ضخما..حتى خلت انه سيبتلعني..كما ابتلعني الحزن و الغياب من قبل..
في قاعة الولادة انتهى الخرس الذي عشته لشهور..كنت اصرخ بشدة..و تصرخ ملايين الافواه في قلبي..الان لن اداري جراحي..و لا دموعي..لن اكتم صراخي..و لا آهاتي..
الان ساناديك بكل ادوات النداء..وسابكيك بكل كلمات الوجع..
الان ساشتعل..واحترق ببطء..و انطفئ..و لن يبقى مني سوى دخان..وحفنة رماد..
بين لباس الممرضات الابيض..كان وجهك يطالعني بابتسامته المعهودة....خلتك للحظة تناديني..و تمنيت ان البي نداءك..ان الحق بك..
الام فظيعة ابت ان تنتهي الا بسماع صراخ رضيع ..كان صراخا احسه بعيدا..تنتابني غفوة..تتبعها صحوة..تفجر كل الالام..لكن تعود الغفوة من جديد..فاحس بجفوني تتراخى..
لاادري كم مر علي من الوقت و انا نائمة..عندما فتحت عيني كنت احس اني متعبة جدا..و كانت كل الانظار تحدق الي..
اقتربت اختي تهنيني بسلامتي..و سالتني ان ارضعت المولود..فهززت راسي نفيا..و تابعت تسالني : (هل رايت ابنك؟) فقلت :لا..نظرت الي في دهشة :( لم ترينه؟ انه في جمال البدر..ربنا يحميه)
حاولت ان تجعلني اجلس..بينما حملت حماتي الرضيع وحاوات ان تضعه بين يدي المرهقتين..حملته بين يدي..نظرت الى عينيه..ظننت اني ساراهما مغلقتين..لكنهما كانتا تنظران الي..هذه النظرة اعرفها..رايتها من قبل..انه قطعة منك..جزء من اغلى الناس ..و احب الناس..
ولاول مرة..ومنذ شهور طويلة..احس بشعاع نور يتسلل الى قلبي احس بخفقة كنت قد نسيت معناها..و نسيت اسمها..الان تذكرتها..انها..روعة..وخفقة الفرحة.