يشتكي كثير من الأزواج ولا سيما الزوجات اليوم من الجفوة والقسوة العاطفية من ازواجهن حيث لا يولونهن أدنى قدر من المعاملة العاطفية والكلام الحلو الرومانسي ولا يهدونهن تلك الوردة الحمراء وتلك اللمسة الحانية الدافئة التي كان يهديها الزوج لزوجته في الأفلام العربية - التي نخرت في جسد المجتمع العربي على مدار عقود من الزمن - او التي يقرأون عنها في المجلات والروايات
وبناء على ما تقدم ظن الزوجات انه طالما ان الأمر كذلك فمن المؤكد ان ازواجهن لا يحبونهن او ليس لديهم أي أحاسيس رومانسية او مشاعر عاطفية تجاههن ومن هنا نشات المشكلة
وهي مشكلة تكاد تكون من أهم مشاكل العصر وهي مشكلة خطيرة جدا ومتكررة وموجودة لدى كثير من البيوت الزوجية وبدأت بعض الجهات والتنظيمات الاجتماعية تخصص دورات تثقيفية وتدريبية لمحاربتها ولا سيما انها كانت سببا في ظهور ما لا تحمد عقباه من اخطاء وانحرافات غير شرعية لدى بعض النساء بل وكانت هي السبب الرئيسي والوتر الحساس الذي لعب عليه معظم آكلوا لحوم النساء من الذين انعدم دينهم وقل حياؤهم وعاشوا حياة الإنسان شكلا والحيوان ضمنا فعزفوا على أحلى الأوتار والأنغام واستمالوا قلوب النساء الجائعات للحب والحنان ، فكان الهيام وكان النسيان وكانت الخيانة وانتهاء الدين والحياء والإيمان
ولذلك اسمحوا لي بأن نعطي هذه المشكلة بعض التفصيل والتعميم والتحليل ما هو الحب ؟ وهل هذا هو الحب الذي يجب ان يكون بين الزوجين ؟ وما هو الشيء الذي يجب ان يكون بينهما ؟
واليكم الجواب والحقيقة التي ربما لن تعجب الكثير
قديما كانت العرب في الجاهلية اذا احب رجل امرأة وعشقها فانه لا يتزوجها في الغالب حتى لا يتناقص ذلك الحب او يزول وعندما جاء الإسلام عكس هذا المفهوم تماما فحثّ كل متحابين بضرورة الزواج حيث قال الرسول عليه الصلاة والسلام - لم نر للمتحابين مثل النكاح - فماذا يعني هذا ؟ وابن القيم يرحمه الله فيما يفسره عن هذه العلاقة المعقدة يتوصل الى سر خطير يبيّن لنا ما هو الفرق بين حب الأفلام والروايات وحب الرجل الأجنبي للمرأة الأجنبية وبين حب الزوجين لبعضهما فأجمل وأختصر كلامه الى محصلة نهائية مفادها
والعاشق الولهان هو ذلك المحروم الذي منع عنه طعامه وشرابه ووقوده فتحركت كل جوارحه بحثا ولهثا وراء اشباع ولو شيئا من هذه الاحتياجات وان كانت بالرائحة او بالخطاب او المكالمة
اما الزوجان فحاشاهما ان لا يكون لهما الا هذه الغاية ، حاشاهما لأن لهما رسالة أعظم من ذلك بكثير يكون الحب جزء منها لتجديدها لضمان استمرارها لعدم الملل منها ولكن ليس ليعيقها ويمنعها ويوقفها عند نقطة الغرق في بحرها
ولنا فيمن كان خير الناس لأهله بأبي هو وامي عليه افضل الصلاة والسلام ، كلمات بسيطة ومواقف عاطفية سهلة وعميقة في نفس الوقت ولكن ليس معلقات وورود حمراء وسهر على موسيقى هادئة واحتفال باعياد ميلاد حتى يثبت بكل ذلك انه يحبها
لذلك كان لزاما أن يكون هناك فرق بين العلاقتين فالأولى علاقة غريبة قوية منعشة مشوِقة مُجدّدة خالية من أي تبعات او مسؤوليات الا انها علاقة محرمة ولا تملأ الا قلب غافل لاه خال من حب الله ورسوله فربما وصل المعشوق في بعض الأحيان الى منزلة الرب في درجة التعلق والتفكير والانقياد كما صحت بذلك كثير من روايات العشاق فكم من امرأة أضاعت شرفها وحياءها وكرامتها من اجل عشيق وكم من رجل أضاع بيته وزوجته وأبناءه من اجل عشيقة.
ومن هنا استغل كثير من الذئاب البشرية التي لا هم لها الا هتك الأعراض والتغرير بالغافلات اللاهيات ضعيفات الإيمان هذه الحقيقة المرة فكان الكلام ولا شئ غير الكلام مع قليل من الحب المزعوم هو السلاح الفتاك الذي استطاعوا به اقتحام أقوى الحصون والقلاع النسائية ومن هنا كان الفساد والدمار والانحراف ومن هنا تكمن خطورة هذه المشكلة
وحاشى لله ان تكون هذه هي العلاقة التي يريدها الشارع الحكيم بين الزوجين المسلمين ، كما أنه ومن غير المعقول كذلك أن نطالب الزوجان بعلاقة كهذه ، كيف يكون ذلك وهما اللذان ليس بينهما أي حرمان جنسي ولا يوجد هذا المخزون المتراكم من الأبخرة العاطفية وغالبا فان التنفيس الجنسي والعاطفي لا يشكل لهما أي مشكلة - وأقول هذا في الغالب - لأنه قد يوجد الزوجان اللذان بينهما شئ من هذا وذلك يعود ايضا لقدرة الزوجة على اللعب بهذه الورقة الجنسية الهامة وذلك يالتشويق الدائم والحرمان النسبي وتوفير جو من الراحة النفسية والعاطفية لزوجها ومن الرجل بتوفير الراحة المادية والنفسية ومن يتحمل عنهما بعض عناء ومشاكل الأسرة
ما هي العلاقة الزوجية الصحيحة ؟!
لنقف مع وصف الله سبحانه وتعالى للعلاقة الزوجية في القرآن وذلك يقوله تعالى في الآية 21 من سورة الروم " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ "
يفسرها بن كثير بقوله " وجعل بينهم وبينهن مودة وهي المحبة والرحمة وهي الرأفة فإن الرجل يمسك المرأة إما لمحبته لها أو رحمة بها أو للألفة بينهما وغير ذلك " وذلك بلا شك معنى أشمل وأرقى وأسمى بكثير من حب تلك الصور الخيالية التي تصورها لنا الأفلام والروايات
وجاءت سيرة الرسول الحبيب عليه الصلاة والسلام تؤكد لنا ان الحب الدنيوي ليس كل شئ بل ان هناك ما هو أعظم منه وهو الحب في الله وحب الله ورسوله وهذا الذي ما يجب ان نملأ به القلب لا حب العشق والهيام ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى كان التعدد في الزوجات رغم حبه الشديد عليه الصلاة والسلام لأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها ولو كانت العلاقة بينهما هي حب وعشق الشعراء والأفلام لما استقام الأمر على عشق اكثر من عشيق ولا يمكن تحقيق ذلك ، ولكن هو حب معتدل تستقيم به الفطرة ويحقق التكاثر والتزاوج وقضاء الوطر والتلاطف بين عشيرين يفترض ان علاقتهما باقية حتى الممات بمنتهى الانسجام والتفاهم والود يؤديان فيها رسالة عظيمة تبدأ ببذرة سرعان ما تكون نواة لمجتمع اسلامي قوي الا وهي الذرية ولذلك شرع التلاطف والتقبيل واللعب والمعاشرة بينهما بالمعروف