الارتفاع المتصاعد في استخدام النارجيلة للتدخين، لم يعد مشكلة صحية في المناطق المختلفة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا والهند وإيران فقط، بل أصبح مصدر قلق للهيئات الصحية العالمية في الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية ودول أميركا اللاتينية وشرق آسيا.
والمؤسف في شأن اختراع النارجيلة للتدخين أن ذلك تم في القرن الخامس عشر على يد أحد أطباء الهند إبان حكم المغول لها، كوسيلة أعتقد الحكيم عبد الفتاح الهندي أنها ستكون أقل ضررا من تدخين أوراق الحشيشة. وذلك قبل أن تغزو أوراق التبغ العالم القديم مقبلة من العالم الجديد بعد اكتشاف القارة الأميركية.
هذا، ولا يزال الاعتقاد «الخاطئ» لدى أهل شرق الأرض وغربها، بأن النارجيلة أقل ضررا بكثير من تدخين السجائر، هو المبرر الأبرز للارتفاع المتنامي خلال السنوات القليلة الماضية في نسبة الإقبال العالمي عليها. وينمق هذا المبرر عوامل أخرى، غالبها اجتماعي يتعلق بـ«طقوس الجلسة» و«لوازم تعديل المزاج» المثيرة للتسلية في انتقاء «فخفخات» نكهات الفواكه المختلفة والمضافة إلى أوراق التبغ المقطعة flavored tobacco، للحصول على أفضل أنواع «المعسل» maassel. وكذا اختلاف الأمزجة في خبرات الـ«تقنيات» المتنوعة لإعداد أفضل «رأس» معسل وإضافة نكهات من النعناع والورد وغيره إلى ماء النارجيلة، وانتقاء أنواع أنبوب التوصيل وهيئة «مبسم الشفط». وكذلك المبرر الآخر المتعلق بالرائحة الألطف للفم والجسم والملابس بعد الفراغ من التدخين بالنارجيلة.
النارجيلة (الأركيلة argileh) تتعدد أسماؤها؛ إذ يحلو للبعض تسميتها «شيشة» shisha، وآخرون يفضلون «تدليعها» فيسمونها «جوزة» goza، والبعض يطلق عليها «نارجيلة» narghile. وفي العالم الغربي، تتعدد أسماؤها الإنجليزية كذلك، فهي «جوكا» أو «هوكا» hookah، أو «غليون الماء» waterpipe، أو «ضجيج خرير الفقاقيع» hubble-bubble.
مشكلة عالمية
حاليا، ثمة ملاحظة واضحة في الأوساط الطبية الأميركية، حيث يتم الحديث بشكل لافت للنظر عن الانتشار المتصاعد في أوساط الشباب الأميركي للتدخين باستخدام «الأنبوب والماء» waterpipe أو النارجيلة. وعلى الرغم من ملاحظة الأوساط الطبية الأميركية أن بدء انتشار النارجيلة في الولايات المتحدة كان فقط خلال العقدين الماضيين، فإن اهتمام التفكير بدراستها طبيا من نواحي انتشار استخدامها ونوعية الأوساط التي تنتشر فيها وتأثيراتها الصحية، تأخر جدا بالفعل.
وبمراجعة أحد أهم مواقع البحث العلمي الطبي العالمية، وهو موقع «بوب ميد» PubMed للمكتبة الطبية القومية الأميركية التابعة لوزارة الصحة الأميركية، الذي يرصد الدراسات الطبية الصادرة منذ عام 1865 وحتى اليوم.. وبالبحث فيه، نجد أن ثمة 74 دراسة علمية صدرت حول النارجيلة. واللافت للنظر بحق أن 31 دراسة منها، أي نحو 42%، صدرت فقط خلال عام 2010 وعام 2011. وبشكل أدق، فإن عدد الدراسات الصادرة عن الأطباء في الولايات المتحدة وفي أقل من أربعة أشهر لعام 2011 الحالي هو عشر دراسات حتى ساعة إعداد هذا الموضوع، في يوم 17 فبراير (شباط) 2011، أي 14%. وهذا يعني ببساطة أن هناك ارتفاعا في نسبة الدراسات الطبية حول النارجيلة في الولايات المتحدة نتيجة للوعي بوجود مشكلة ارتفاع انتشار استخدامها في أوساط الشباب والمراهقين الأميركيين.
واللافت للنظر، أن تقرير رابطة الأمراض الصدرية الأميركية في عام 2007 ذكر أن عدد مقاهي النارجيلة في الولايات المتحدة كلها بلغ نحو 300 مقهى في عام 2006، بينما ذكرت دراسة الباحثين في جامعة فلوريدا المنشورة ضمن عدد مارس (آذار) 2011 من «المجلة الأميركية للطب الوقائي» Am J Prev Med شمولها زبائن 173 مقهى للنارجيلة في أحد أجزاء ولاية فلوريدا فقط. وإذا كان هذا العدد، أي أكثر من نصف ما كان موجودا قبل أربع سنوات في كل الولايات الأميركية، موجودا اليوم في جزء من إحدى الولايات، فإن لنا أن نتخيل العدد الفعلي اليوم في كل الولايات الأميركية، ناهيك بمناطق أخرى في أوروبا وأميركا الجنوبية التي تتحدث فيهما الأوساط الطبية بقلق عن انتشار النارجيلة بين فئات الشباب من الجنسين.
تقرير منظمة الصحة
وكانت المحطة المفصلية في التفات الأوساط الطبية العالمية لمشكلة النارجيلة، هي التقرير الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية WHO عنها في عام 2005، بعنوان «مذكرة التقرير الاستشاري عن التدخين باستخدام أنبوب الماء: التأثيرات الصحية، الحاجة إلى مزيد من الدراسات، والنصيحة بوضع تشريعات للمكافحة». وكان التقرير في 20 صفحة من إعداد «مجموعة منظمة الصحة العالمية لدراسة وضع التشريعات الخاصة بمنتجات التبغ» TobReg.
وعرض التقرير بداية الملاحظات الطبية الإحصائية لانتشار استخدام النارجيلة ونمو الإقبال عليها في مناطق لم تعهدها في السابق. وبعد أن كان انتشارها يقتصر طوال القرون الأربعة الماضية على أجزاء من الهند وإيران والشرق الأوسط وتركيا وشمالي القارة الأفريقية، ذكر التقرير أنه منذ التسعينات الماضية بدأ انتشار استخدامها بين الشباب في أوروبا والولايات المتحدة وكندا والبرازيل وشرق آسيا.
ووضع التقرير يده على مكمن مشكلة الانتشار والعامل الرئيسي في الأمر، وهو اعتقاد تدني أضرار النارجيلة مقارنة بالسجائر، خاصة أن عبوات المعسل في شرقي آسيا والولايات المتحدة، أي الأسواق الجديدة، يكتب عليها احتواؤها على كمية من النيكوتين بمقدار 0.5%، وأنها خالية من القطران.
ووصف التقرير بشيء من التفصيل تركيب النارجيلة ودور كل جزء فيها ضمن عملية استخدامها للتدخين. وهو جانب مهم للعرض كي يسهل إدراك حقيقة تأثيراتها الصحية.
ويعترف تقرير منظمة الصحة العالمية أن النارجيلة لم تتم دراستها علميا كما هي الحال مع السجائر أو الغليون أو السيجار. وتذكر بعض المصادر الطبية تبريرا لذلك؛ وهو أنها لم تكن في السابق مشكلة في العالم الغربي. وهو مبرر يوضح حقيقة أن الأوساط الطبية الغربية تهتم بالدرجة الأولى بدراسة ما له علاقة بمجتمعاتها، أما ما عدا ذلك فليس على جدول أولوياتها، الأمر الذي يفرض على الهيئات العلمية الطبية في المناطق العربية أن تتولى بنفسها دراسة ما له علاقة بالجوانب الصحية للمجتمعات العربية. والأمثلة على هذا كثيرة جدا، كالأمراض الميكروبية المعدية المستوطنة في المناطق العربية وأصناف شتى من العادات الغذائية أو الممارسات الاجتماعية الشائعة بشكل خاص فيها.
أضرار النارجيلة الصحية
ولكن تقرير منظمة الصحة العالمية، واعتمادا على ما هو متوفر من دراسات حول النارجيلة، يستخلص عدة نقاط صحية مهمة. من أبرزها أن استخدام النارجيلة للتدخين يحمل في طياته «مخاطر صحية جدية» على المدخن وعلى من يجالسه أثناء استخدامها، وأن استخدامها ليس وسيلة أكثر أمانا صحيا من تدخين السجائر، وأن مدخن النارجيلة حينما يدخنها في جلسة لفترة ساعة، فإنه يستنشق نحو 200 ضعف كمية الدخان الذي يستنشقه مدخن السيجارة الواحدة، وأنه حتى بعد مرور دخان النارجيلة عبر ماء، فإنه لا يزال يحمل كميات كبيرة من المواد الكيميائية السامة والمعادن الثقيلة والمواد المتسببة في السرطان. وأن استخدام الفحم الطبيعي أو الصناعي في إحراق المعسل أو التبغ، هو أمر في حد ذاته يحمل مخاطر صحية تفوق تلك التي تنتج فقط عن إشعال التبغ مباشرة في السجائر. ذلك أن الاستنشاق بخرطوم النارجيلة يشفط الدخان الناجم عن حرق المعسل ويشفط أيضا الغازات والمواد الكيميائية السامة الناتجة عن احتراق قطع الفحم. ومعلوم أن تلك القطع من الفحم المحترق تحتوي هي الأخرى على قائمة من الغازات والمواد الكيميائية، وهذه المواد تكون بلا شك أسوأ عند استخدام أنواع الفحم الصناعي. وأنه لا يوجد أي إثبات علمي على أن أي إضافة أو تعديل لتركيب جهاز النارجيلة سيتسبب في تخفيف أضرارها الصحية.
وأن الاشتراك في استخدام النارجيلة للتدخين، سواء في الوقت نفسه أو لاحقا، يحمل في طياته ارتفاع احتمالات خطورة نقل عدوى الميكروبات، خاصة مرض درن السل والتهابات الكبد الفيروسية. وأن إضافة المواد الحلوة السكرية لفتات أوراق التبغ ترفع من احتمالات الإقبال على التدخين، نظرا للطعم والرائحة الأكثر جاذبية، كما أنه يضيف قائمة جديدة من المواد الكيميائية السامة والمعادن الثقيلة والمواد المتسببة في السرطان فوق تلك المتوفرة أصلا في أوراق التبغ الطبيعي.
وكل هذه النقاط التي تحدث عنها تقرير منظمة الصحة العالمية هي أمور مهمة جدا، لأنها أضرار لأمور مضافة تفوق تلك التي تنتج عن استنشاق مجرد دخان التبغ المحترق في السجائر.
دراسات أميركية حديثة
ونعرض بشكل سريع ومختصر، بعضا من تلك الدراسات الأميركية التي صدرت فقط خلال الأشهر الثلاثة الأولى للعام الجاري 2011، ثم نعرض إحداها بشكل تفصيلي في إطار منفصل ضمن الموضوع:
أولا: دراسة الباحثين من ساكرامنتو، عاصمة ولاية كاليفورنيا، المنشورة في عدد أبريل (نيسان) 2011 لمجلة «شست» CHESTالمعنية بطب الصدر. وكانت بعنوان «مغالطة عدم أضرار النارجيلة» The fallacy of the harmless hookah للدكتور شان والدكتور ميورين.
ثانيا: دراسة «تحديد استخدام النارجيلة بين طلبة الثانويات» والمنشورة ضمن عدد 31 مارس 2011 لمجلة «أبحاث نيكوتين التبغ» Nicotine Tob Res.. وفيها تتبع الدكتور سميت والدكتور الدليمي استخدامها بين طلبة مقاطعة سان دييغو. وتبين لهم أن 26% منهم سبق لهم استخدامها، وأن 11% مستمرون في ذلك. وأن أكثر من 50% ممن يدخنون بها تعلموا ذلك من أحد أصدقائهم. وأن غالبيتهم يعتقدون أن النارجيلة مقبولة اجتماعيا أكثر مقارنة بالسجائر، وأنها أقل ضررا من السجائر. وقال الباحثون في محصلة الدراسة إن «استخدام النارجيلة للتدخين أصبح سلوكا شائعا ومقبولا في ما بين المراهقين، ووجود أماكن مخصصة لتوفير تدخين النارجيلة سبب في ارتفاع إقبال المراهقين عليها».
ثالثا: دراسة «تدخين التبغ بالنارجيلة بين الشباب» للباحثين من جامعة جنوب فلوريدا والمنشورة ضمن عدد فبراير 2011 لمجلة «المشكلات الحالية في الرعاية الصحية للأطفال والمراهقين» Current Problems in Pediatric and Adolescent Health Care. وقال الباحثون فيها إن العقدين الماضيين شهدا بداية انتشار الإقبال على النارجيلة بالولايات المتحدة. وكرر الباحثون ملاحظتهم للمبررات سابقة الذكر حول أسباب الإقبال، التي أهمها اعتقاد أنها أقلل ضررا من السجائر، إضافة إلى نكهتها. ولفت الباحثون النظر إلى توصلهم إلى حقائق تخالف هذا الاعتقاد الشائع، إضافة إلى ارتفاع احتمالات نقل عدوى الميكروبات بين مستخدمي النارجيلة. وذكروا بأن منظمة الصحة العالمية وغيرها من الهيئات الصحية قد أعلنت أن النارجيلة مشكلة صحية شائعة، وأن على الهيئات الصحية المعنية بالصحة العامة مراقبة الإقبال على النارجيلة بعناية.
رابعا: دراسة «معدلات غاز أول أكسيد الكربون بين زبائن مقاهي النارجيلة» للباحثين في جامعة فلوريدا والمنشورة ضمن عدد مارس 2011 من «المجلة الأميركية للطب الوقائي» Am J Prev Med. وفيها قارن الباحثون بين معدلات هذا الغاز لدى زبائن 173 مقهى للنارجيلة و198 مقهى عادي في ولاية فلوريدا. وإضافة إلى ملاحظة الباحثين الغزارة النسبية لتوفر مقاهي النارجيلة، وتبين لهم أيضا ارتفاع معدلات غاز أول أكسيد الكربون بين زبائن مقاهي النارجيلة سواء كانوا مستخدمين لها أو غير مدخنين بالأصل. وقال الباحثون: «على الرغم من تبرير مستخدمي النارجيلة لها بأنها أقل ضررا من السجائر، فإن ما توصلت إليه نتائج الدراسة لا يتوافق مع ذلك».
خامسا: دراسة «الفروق العرقية في استخدام السجائر والنارجيلة والسيجار بين المثليين جنسيا من الجنسين» للباحثين في جامعة جنوب فرجينيا، والمنشورة ضمن عدد 27 يناير (كانون الثاني) 2011 لمجلة «أبحاث نيكوتين التبغ» Nicotine Tob Res.
سادسا: الدراسة المقارنة لـ«التأثيرات الفورية لتدخين التبغ بالنارجيلة» للباحثين من جامعة كومنويلث فيرجينيا ومعهد دراسات التبغ والكحول في ريتشموند بالولايات المتحدة والجامعة الأميركية ببيروت والمركز السوري لدراسات التبغ بحلب في سورية، والمنشورة في عدد يناير 2011 لمجلة «إدمان الكحول والمخدرات» Drug and Alcohol Dependence.
سابعا: دراسة «هل سلوك التدخين المنزلي عامل خطورة لارتفاع استخدام النارجيلة؟» للباحثين من ديترويت بولاية ميتشغان الأميركية. والمنشورة في 31 يناير 2011 بمجلة «أبحاث نيكوتين التدخين» Nicotine Tob Res. وقال الباحثون في مقدمة دراستهم إنه لا توجد دراسات طبية بحثت في تأثيرات التدخين المنزلي للنارجيلة على إقبال أفراد الأسرة عليها. وشمل الباحثون في دراستهم أكثر من 800 شخص من سكان جنوب شرقي ميتشغان. وتبين لهم أن 26% منهم يستخدمون النارجيلة في التدخين. وقال الدكتور حكمت جميل، في محصلة نتائجها: «وجود أب أو أم أو أخ أو أخت يدخنون بالنارجيلة في المنزل، وكون المرء ذكرا، وصغر السن، كلها عوامل ترفع من خطورة استخدام النارجيلة للتدخين».
ثامنا: دراسة «الوباء العالمي للتدخين بالنارجيلة» للباحثين من جامعة ممفيس الأميركية والمركز السوري لدراسات التبغ في حلب بسورية. والمنشورة ضمن عدد يناير - فبراير 2011 لمجلة «سلوكيات الإدمان» Addict Behav. وأكد الباحثون في مقدمة دراستهم على حقيقة أن استخدام النارجيلة ينتشر بارتفاع متصاعد بين الشباب حول العالم، وأن سلاسة التدخين بها والأجواء الاجتماعية واعتقاد تدني أضرارها هي أساس إقبال الشباب عليها. وأن الإحصاءات المتوفرة تشير إلى أن نسبة استخدامها للتدخين بين المراهقين تصل في الشرق الأوسط إلى حدود 34%، وفي الولايات المتحدة إلى حدود 17%.
أضرار أكبر من السجائر
السلاح الأقوى الذي يستخدمه مروجو النارجيلة هو الادعاء الخاطئ والواهم بأن النارجيلة أقل ضررا من تدخين السجائر. وعلى الرغم من القناعة الطبية الراسخة بأن تدخين السجائر سلوك خاطئ وضار صحيا ويتسبب في كثير من المشكلات والاضطرابات والأمراض بالجسم، فإن اليوم ثمة تنبها طبيا متناميا في القوة نحو التحذير من النارجيلة وأن استخدامها يفوق في أضراره الصحية تدخين السجائر المجردة.
ولهذه القناعة الجديدة مبرراتها المنطقية المدعومة بمجموعات من الأدلة العلمية. ولكي ندرك ذلك يجب علينا أن نستحضر عدة نقاط تتعلق بالنارجيلة مقارنة مع سجائر التبغ العادية. والهدف ليس تفضيل السجائر على النارجيلة، بل التنبيه إلى أنه من غير الصحيح الإدعاء بأن النارجيلة أخف وأقل ضررا. وذلك لوقف تدفق الإقبال عليها بحجة الهروب من أضرار السجائر. والنقاط المقصودة هي:
أولا: المعسل وتبغ السجائر الجاف: في النارجيلة يستخدم المعسل، وهو مكون من فتات أوراق التبغ المتخمرة والمكبوسة لفترات، كي تمتزج وتنتج نكهة مختلفة للتبغ نفسه. وهذا ينتج عنه نمو الفطريات التي تحمل العديد من المواد الكيميائية التي لم تكن أصلا موجودة في أوراق التبغ «الطازجة» والمستخدمة في السجائر. ويضاف إلى فتات أوراق التبغ المتخمرة مزيج من الغليسرين ودبس قصب السكر وعصارات صناعية أو طبيعية للفواكه المتخمرة بداعي إعطاء نكهات مختلف أنواع الفواكه، إضافة إلى أنواع شتى من المواد الكيميائية الصناعية كصبغات لتلوين مزيج المعسل. وهذه المواد الجديدة المضافة إلى أوراق التبغ، كل واحدة منها «حكاية جديدة» من نواحي نواتج احتراقها والغازات المنبعثة عنها والمواد الكيميائية المتشكلة نتيجة لاحتراقها. وكل هذا يستنشقه مدخن النارجيلة ولا يستنشقه مدخن السجائر. هذا، وناهيك بالدخول في متاهات تخيل أماكن صناعة المعسل، وأي ضوابط يتم تطبيقها عليها، ونوعية الرقابة الصحية وغيرها من الدهاليز التي يتوه فيها المتخيل، ناهيك بالمتحقق من ذلك على أرض الواقع.
ثانيا: استخدام الفحم الطبيعي أو الصناعي: في السجائر يتم إشعال فتات أوراق التبغ مباشرة مع الطبقة الورقية الرقيقة المغلفة لها، بينما في النارجيلة، توضع قطع من الفحم لتنشيط واستمرار احتراق قطعة المعسل. وهذا الفحم يحترق هو الآخر طوال الوقت. والفحم ليس شيئا خاملا وبريئا لا يحمل في مكوناته مواد كيميائية سامة، بل إن احتراق الفحم بذاته يحمل كميات كبيرة من غاز أول أكسيد الكربون، إضافة إلى قائمة تضم المئات من العناصر الكيميائية السامة والمواد المتسببة في السرطان والمعادن الثقيلة. والفحم الطبيعي في الأساس، هو قطع من أخشاب الأشجار التي تتلوث بشكل تلقائي وطبيعي بما يجود في المناطق الجغرافية التي نمت فيها أشجارها. ثم يتم إحراقها بشكل جزئي، كي يتكون الفحم. وهذا الاشتعال الجزئي، يضيف مواد كيميائية أخرى وجديدة. ثم يأتي مدخن النارجيلة ليستنشق كل ما ينتج عن احتراق الفحم. والقصة بلا شك ستكون أسوأ عند استخدام أحد الأنواع المختلفة للفحم الصناعي. ولا مجال في هذا العرض للحديث عن الكم الكبير من الدراسات الطبية التي تكلمت عن أضرار استخدام الفحم الصناعي في الطهي أو الشواء أو التدفئة المنزلية، ناهيك باستنشاقه مباشرة. كما يضاف إلى كل هذا، عادة بعض «عشاق» النارجيلة بوضع طبقة من رقائق الألمنيوم فيما بين قطع الفحم المشتعلة وبين قطعة المعسل. وكانت عدة دراسات طبية سابقة قد تحدثت عن أضرار استخدام رقائق الألمنيوم في تغليف الأطعمة الحارة أو استخدامها خلال عمليات الطهي في الأفران أو الشواء. وفي تدخين المعسل يتم استنشاق التسخين الشديد لتلك الرقائق من الألمنيوم كشيء لا بد منه عند استخدامه في «رأس» النارجيلة.
ثالثا: كمية الدخان الذي يدخل الرئة: لا مجال للشك في أن عمق وقوة الشفط عند تدخين النارجيلة يفوق بمراحل ما يحدث عند تدخين السجائر أو الغليون أو السيجار. وتقرير منظمة الصحة العالمية لاحظ حقيقة مهمة وهي أن حجم كمية الدخان الذي يدخل إلى رئة شخص يدخن نارجيلة في جلسة لمدة ساعة يعادل 200 ضعف لكمية الدخان التي تدخل إلى رئة شخص يدخن سيجارة واحدة. كما أن العمق جانب آخر تحدثت عنه الدراسات الطبية الأميركية، التي لاحظت أنه عند تدخين النارجيلة، فإن الدخان يدخل ويتغلغل في الحويصلات الرئوية بشكل أعمق من المدى الذي يصل إليه دخان تدخين السجائر. وبالتالي، فإن الدخان يبقى في الرئة مدة أطول عند التدخين بالنارجيلة مقارنة بالسجائر. ومعلوم أن ما يخرج مع الزفير ليس كل الهواء الذي دخل إلى الرئة، بل جزء منه.
رابعا: الاشتراك في استخدام النارجيلة: وقد يحرص البعض على الاستخدام الشخصي لنارجيلته، ولكن غالبية مدخني النارجيلة، خاصة من يذهبون للمقاهي، يستخدمون نارجيلة استخدمها قبلهم المئات. ويتحاذق بعض المقاهي عبر إعلانه أنه يغير أنبوب وخرطوم الشفط. وهذا في الحقيقة لا يكفي ألبتة لأنه جزء من عدة أجزاء يمر عبرها الدخان. ومعلوم أن كثيرا من مستخدمي النارجيلة للتدخين، لا يشفطون فقط، بل ربما ينفخون الهواء عبر المبسم لتعديل طعم المعسل في «رأس» النارجيلة. وكان كثير من الهيئات الطبية العالمية، مثل «منظمة الصحة العالمية» و«مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية» CDC و«رابطة أمراض الصدر الأميركية» وغيرها، صريحا في التحذيرات من احتمال تسبب استخدام النارجيلة في انتقال الأمراض الميكروبية المعدية، كالسل والتهابات الكبد وميكروبات التهابات الجهاز التنفسي