واشنطن: جويل آخينباخ*
تعد «آيريس» هي أجمل القرود في حديقة الحيوان الوطنية من دون أدنى شك، وذلك بفضل شعرها الناعم والأنيق ذي اللون الأحمر والبرتقالي وتمتعها بالهدوء. وتقول أماندا بانيا، وهو حارسة القرود في الحديقة: «تعيش آيريس وكأنها ملكة». وقبيل الساعة الثانية من بعد ظهر يوم الثلاثاء الماضي، فقدت الملكة هدوءها، حيث كان حارس القرود، كيه سي بريسك، يقف على بعد أمتار قليلة عندما صرخت آيريس بصوت عال وقفزت بسرعة إلى الجزء العلوي من السياج الذي يحيط بها. قام الحارس بسرعة لمعرفة الشيء الذي قد يكون قد أغضبها، فربما يكون من قام بذلك هو القرد كيكو؟ وعلى الرغم من أن كيكو غالبا ما يتهور ويقوم برمي الأشياء، فإنه لم يكن هو السبب في ذلك، حيث كان يتسكع في مكان بعيد. وفي غضون خمس ثوان شعر الحارس بريسك بالزلزال، وقال يوم الأربعاء الماضي: «يبدو أن الحيوانات تعرف قبل حدوث الزلازل. دائما ما أسمع حكايات في هذا الصدد، ولكن هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها ذلك بأم عيني». لقد كان تصرف القرود والغوريلا وطيور النعام وحيوان الليمور غريبا قبل حدوث الزلزال التاريخي الذي بلغت قوته 5.8 درجة بمقياس ريختر. والسؤال الذي يحوم حول حديقة الحيوان الآن هو: ما الذي تعرفه الحيوانات، ومتى تعرف ذلك؟
وهنا يكمن سر علمي تختلط فيه الحقائق الثابتة والملاحظات الراسخة مع الأساطير، حيث كانت هناك أحاديث على مر السنين حول الحقول الكهرومغناطيسية الغامضة التي تولدها التصدعات التي تحدث في قشرة الأرض. وهناك تكهنات حول وجود أصوات لا يسمعها البشر وحدوث انحدارات خفيفة في التكوينات الصخرية، بالإضافة إلى انبعاث الأبخرة التي لا يستطيع الإنسان شم رائحتها. إن سلوك الحيوانات الغريب يوم الثلاثاء الماضي في حديقة الحيوان هو مجرد تذكير بأن الكثير من الحيوانات البرية تولى اهتماما كبيرا بالطبيعة، في حين يقوم البشر بأعمالهم العادية. وسجلت حديقة الحيوانات مجموعة واسعة من سلوكيات الحيوانات قبل وأثناء وبعد الزلزال الذي بدأ في ولاية فرجينيا وهز معظم شرق الولايات المتحدة. على سبيل المثال، صرخت الغوريلا ماندرا وجذبت طفلها الرضيع كيبيبي إلى الأعلى قبل ثوان معدودة من اهتزاز الأرض بشكل كبير، في حين أسقط اثنان من القردة الأخرى – وهما القرد كيل والغوريلا كوجو – الطعام من فمهما وفرا مذعورين إلى الطبقة العليا من التربة المكسوة بالأعشاب. ويبدو أن 64 طائرا من طيور النعام قد شعروا بالزلزال قبل ثوان من حدوثه، حيث تجمعوا معا وهم مذعورون قبل وقوع الزلزال، كما أحدث أحد الفيلة ضجيجا منخفضا كما لو كان يتواصل مع اثنين من الفيلة الأخرى. وأصدر حيوان الليمور صرخة إنذار قبل 15 دقيقة كاملة من وقوع الزلزال.
ووقت وقوع الزلزال، كانت الحديقة تمتلئ بالصيحات والصرخات، وحتى الثعابين التي عادة ما تكون خاملة في منتصف النهار كانت تتلوى وتتحرك بنشاط. ووقف حيوان القندس على قدمه الخلفية ثم قفز إلى البركة، وركض تنين الكومودو بسرعة للاختباء، ووقفت الأسود التي كانت تستريح بالخارج فجأة وحدقت في الجدران وهي تهتز.
وقفز النمر داماي كما لو كان في حالة ذهول ولكنه سرعان ما هدأ بعد ذلك، في حين ظلت بعض الحيوانات في حالة من القلق طوال اليوم من دون أن تأكل أو تذهب إلى النوم في موعدها المعتاد.
وقال براندي سميث، وهو المسؤول عن فصيلة الثدييات: «إنهم أكثر حساسية للبيئة مما نحن عليه. لست مندهشا على الإطلاق من أن يكونوا قادرين على معرفة هذه الأمور لأن هذه هي الطريقة التي تبقيهم على قيد الحياة».
وقال دون مور، وهو المدير المساعد لرعاية الحيوان: «نعرف من الدراسات التجريبية أن الفيلة لديها القدرة تحت الصوتية، بمعنى أنها قادرة على سماع الأصوات تحت مستوى الأصوات التي يمكننا سماعها».
إن الاعتقاد بأن سلوك الحيوان الغريب هو مقدمة لوقوع زلازل يعود إلى العصور القديمة، حيث أشارت دراسة علمية حديثة إلى أن الضفادع قد فرت إلى مناطق مرتفعة قبل أيام من الزلزال الذي ضرب مدينة لاكويلا الإيطالية في عام 2009، أما الحالة الأكثر شهرة في العصر الحديث فهي خروج الثعابين والضفادع من جحورها في عام 1975 في عز الشتاء قبل أسابيع عديدة من وقوع زلزال بقوة 7.3 درجة بقوة ريختر في مدينة هايتشنغ الصينية (ساعد سلوك الحيوان الغريب في إقناع المسؤولين بإخلاء المدينة قبل وقوع الزلزال).
ومع ذلك، يبذل العلماء جهودا مضنية لتحويل الأدلة القولية إلى فرضيات قابلة للاختبار واستنتاجات قوية يمكن نشرها في المجلات. وحتى حالة هايتشنغ لا تعد مقياسا، لأنه كان هناك العديد من الهزات البسيطة قبل وقوع الزلزال الرئيسي، وهو ما قد يكون أزعج الثعابين وألهم المسؤولين الحكوميين لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
وقالت سوزان هوغ، وهي عالمة الزلازل والمسح الجيولوجي التي تجري أبحاثا في مجال التنبؤات بحدوث الزلزال، إن أبسط تفسير لما حدث في حديقة الحيوان يوم الثلاثاء الماضي ينطوي على ما يسميه العلماء «الموجة بي». ومن الجدير بالذكر أن الزلزال يولد نوعين من الموجات الزلزالية، يكون الأول ضعيف نسبيا وسريع الحركة ويسمي «الموجة بي» أو الموجة الأولية، ثم تأتي «الموجة إس» أو الموجة الثانوية وتكون أكثر قوة حيث تحرك الأرض صعودا وهبوطا.
وتشير الحسابات السريعة التي أجرتها هوغ إلى أن الموجات «بي» الأولية قد وصلت واشنطن قبل نحو 15 ثانية من وصول الموجات «إس»، وهذا قد يفسر الكثير من الأمور الغامضة، فقد تكون آيريس وغيرها من الحيوانات قد استجابت للموجات «بي» قبل أن يلاحظ البشر اهتزاز الأرض، ولكن هذا لا يفسر سلوك حيوان الليمور قبل 15 دقيقة كاملة من وقوع الزلزال، ولكن يمكن أن يكون ذلك صدفة لا علاقة لها بالزلزال. إن إدراك طبيعة الحادثة بعد وقوعها يمكن أن يكون مضللا، حيث إن الذاكرة الانتقائية تخلق أسبابا ونتائج وهمية.
وعلى الرغم من كل هذا، لم يتم حل هذه المشكلة بعد، وفي نفس الوقت لا يمكن استبعاد احتمال معرفة الحيوانات بالظواهر الأرضية قبل البشر، وكما تقول هوغ: «إننا لا نفهم أشياء كثيرة تحدث على سطح الكرة الأرضية».
* «نيويورك تايمز»