أجمل مفارقة في خصام الأحبة أن يكون الخصم هو الحكم.
كان أبو الطيب المتنبي خير من عبّر عن هذه المفارقة
أجمل تعبير في عتابه الودود لسيف الدولة:
يا أعدل الناس إلا في معاملتي فيك الخصام وأنت الخصم والحكم.
نقول مفارقة، لأن الناس اعتادت في الخصومات أن تلجأ لمن يقضي في أمر الخصام
فيقرر مَن مِن المتخاصمين على حق ومن منهم على خطأ
أو يحدد مقدار الخطأ ومقدار الصواب لدى كل منهما
لكن أن يكون المحبوب هو موضع الخصام وهو الخصم، وهو الحكم أيضاً
فتلك ولا شك مفارقة، أجمل مفارقة، لأنها تنم عن أن العاشق يُفوّض أمره للمعشوق
لا ضعفاً ولا استلاباً أمامه، وإنما دلالة أن هذا المحبوب يستأثر باهتمام المحب
الى الدرجة التي تجعله حكماً في الخصام الذي قد يكون هو سببه أيضاً
ربما لأنه حين يصبح محور الاهتمام يكون باعثاً على التفكير والظنون والقلق
ولدى العقل قدرة غريبة على النشاط حيال هذه الهواجس حين تتعلق بشخص من نهوى.
كان الشاعر السوداني محمد الفيتوري قد عبّر عن مثل هذه الحالة
في أحد نصوصه الوجدانية حين قال:
في حضرة من أهوى عبثت بي الأشواق
حدقت بلا وجهٍ ورقصت بلا ساق
وملأت براياتي وطبولي الآفاق
عشقي يفني عشقي وفنائي استغراق
إني مملوكك لكني سلطان العشاق.
وفي هذا الوصف ما يشير إلى أننا إزاء من نحب بمقدار ما نبدو أحراراً
في المشاعر وانطلاقة العواطف، في جنونها وبراكينها وأعاصيرها،
نبدو في المقابل أسرى هذه العاطفة، أسرى باختيارنا في الغالب،
طالما كانت العاطفة في أوج ضجيجها قبل أن تخمد أو تخبو،
وسر هذا الأسر يكمن في ما يمكن أن نطلق عليه تآلف الأرواح.
كان ابن حزم الأندلسي في كتابه الجميل “طوق الحمامة”
قد لاحظ: انك “لا تجد اثنين يتحابان إلا وبينهما شاكلة واتفاق الصفات الطبيعية
لا بد في هذا وإن قل، وكلما كثرت الأشياء زادت المجانسة وتأكدت المودة، فانظر هذا تراه عياناً”.