في معنى الشهادة الثانية
اعْلَموا أنَّ طريقَ السلامةِ في الدنيا والآخرة هو اتباعُ سَيِّدِنا محمّدٍ صلى الله عليه وسلم اتباعًا كاملاً ويكونُ بالإيمانِ باللهِ كما يجبُ والإيمانِ بالرسولِ محمّد صلى الله عليه وسلم كما يجبُ ثم بأداءِ جميعِ الواجباتِ واجتنابِ جميعِ المحرماتِ.
كلامُنا اليومَ عن معنى الشهادة الثانية لكن قَبْلَ شروعِنا أَوَدُّ أن أُذَكِرَكُمْ بمعنى الشهادةِ الأولى باختصارٍ فمعنى شهادةِ أنْ لا إلهَ إلا الله إجمالاً أي مِنْ غيرِ تفصيلٍ أَعْتَرِفُ بلسانيِ وأُذْعِنُ بقلبي بأنَّهُ لا أحدَ يستحقُّ العبادةَ إلا الله تعالى فاللهُ وحدَهُ هو الذي يستحقُّ نهايةَ التعظيمِ وغايةَ الخضوعِ لأنه هو خالِقُنا وهو خالقُ كلّ شىءٍ وهو رازقُنا على الحقيقة لا شريكَ لَهُ ولا مثيلَ. ومعنى شهادة أنَّ محمّدًا رسول ُاللهِ صلى الله عليه وسلم أعترفُ بلساني وأعتقدُ بقلبي أنَّ سيِّدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم مرسلٌ من عندِ اللهِ إلى كافةِ العالمينَ من إنسٍ وجنٍّ. فالمرادُ بالشهادتينِ إخوةَ الإيمانِ نفيُ الألوهيةِ عما سوى الله تعالى وإثباتُها لله تعالى مع الإقرارِ برسالةِ سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم أي معَ الاعتراف والإيمان برسالتِهِ صلى الله عليه وسلم فالمعرفةُ إذا اقترنَ بها الإذعانُ أي رضا النفسِ بالشىءِ الذي عَرفَتْهُ هي الإيمانُ الذي هو مقبولٌ عندَ اللهِ، وأما المعرفةُ وحدَها فلا تَكفي لأَنَّ الله تعالى أخبرَ عن بعضِ من سَبَقَ أنهم كانوا يعرفون محمّدًا بأنَّه نبيّ فقال تعالى * الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ * ( سورة الإنعام ءاية 20 ) لكن لم تُذْعِنْ نفوسُهُمْ لما جاءَ بِهِ فلذلك يُكَذِّبُونَهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ مع أَنَّ التوراةَ الأصليةَ التي أُنزلتْ على سيدِنا موسى فيها الإخبارُ بأنَّ حَبيبَنَا محمَّدًا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فحبيبُنا محمّدٌ إخوةَ الإيمانِ مرسلٌ مِنْ عندِ اللهِ إلى كافة العالمينَ بدليلِ قولِهِ تعالى * تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا * (سورة الفرقان ءاية 1 )، والمعنى أنه مرسلٌ إلى كافةِ الإنسِ من عربٍ وعجمٍ وإلى كافةِ الجنِّ. أما الملائكةُ فلا دخولَ لهم في ذلكَ لأنهم مجبولونَ على طاعةِ اللهِ أي لا يختارونَ إلا الطاعةَ بمشيئةِ الله فلا يحتاجونَ إلى إنذارٍ كما وَصَفَهُمُ اللهُ تعالى بقولَهِ * لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ * ( سورة التحر يم ءاية 6 ) . فالإيمانُ أيها الأحبةُ برسالةِ سيدنا محمّدٍ صلى الله عليه وسلمَ هو أصلُ معنى الشهادةِ الثانيةِ لكنها تتضمنُ مسائلَ كثيرةً وتتبعُها أحكامٌ عديدة منها كونُهُ صلى الله عليه وسلم وُلِدَ بمكةَ وبُعِثَ أي نَزَلَ عليه الوحيُ بالنبوةِ وهو مستوطنٌ بمكةَ ثم هاجرَ إلى المدينةِ وماتَ فيها فَدُفِنَ في بيتِ السيدةِ عائشةَ رضي الله عنها.
وتتضمنُ الشهادةُ الثانيةُ إخوةَ الإيمانِ أنّه لا يخطئُ في شىءٍ مما أخبرَ بهِ عن اللهِ تعالى وأنَّ كُلَّ ماجاءَ بهِ حقٌّ صحيحٌ سَواءٌ كان مِن أخبارِ مَنْ قبلَه مِن الأمم والأنبياء وبَدءِ الخلق أو مِنَ التحليل أو التحريم لبعضِ أفعالِ وأقوالِ العبادِ أو مما أخبرَ به مما يحدثُ في المستقبلِ في الدنيا وفي البرزخِ في الآخرةِ وذلك لقول الله تعالى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * ( سورة التحريم ءاية 2 - 3) . فيجِبُ علينا التسليمُ بكلَّ ما جاءَ في شرعِ نبيّنا محمّد عليه الصلاة والسلام سواءٌ تَعَلَّقَ بالوضُوءِ أو بالصلاةِ أو بالزواجِ أو بالطلاقِ أو بالقصاصِ أو بالإرثِ أو بالثوابِ أو بالعقابِ لا نَرُدُّ شيئًا من ذلك بآراءنا ولا نجعلُها حاكمةً عليه بل نَرُدُّ آراءَنا إلى ما جاءَ به رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَرَفْنَا الحكمةَ مِنْهُ أو لم نَعرِفْ كما قال الشيخُ أحمدُ المرزوقيُّ:
فكلُّ ما جاء بهِ الرسولُ فَحَقُّهُ التسليمُ والقَبولُ
مؤمنين بقوله تعالى * فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا * ( سورة النساء ءاية 65 ). ومصدِّقين بقولِ المصطفى صلى الله عليه وسلم حيثُ قالَ { لَيْسَ أَحَدٌ إِلا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيَدَعُ غَيْرَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّم } اللهم اجعلنا من الثابتينَ على الإٍسلامِ المتمسِّكينَ بِهَدْيِ النَّبيِّ عليه الصلاةُ والسلامُ المدافعين عن دينِهِ كيفما تَقَلَبَتْ الأحوالُ.